شيء في كياني


فاتحة




جلست لوحدي وسط الغرفة متأملا ، لا شيء يوجد من حولي فقط بعض أشلاء من الذكريات تتراقص أمام أعيني و بعض الرؤى تتقاذفها الأمواج بين ذهني و مخيلتي.
النفس متأزمة و القلب منحسر و الأعصاب مشدودة .كل عضو في كياني فقد الإحساس بلذة الحياة و نأى عن مجموعه يبحث عن إحدى سبل الخلاص.
لماذا كل هذا التجني على الحياة ؟ إن الحياة جميلة فما الذي يدعونا إلى كل هذا التأزم ؟
دون وعي أجد نفسي فريسة لهذا الوضع فأحاول بكل ما أوتيت من قوة أن أدفع عني هذا الشعور لكن كل ما يوجد من حولي يدعم حضوره بامتياز و كأن قدري أن أعيش كل متاعب هذا الزمن.
قيل لي : ارتحل .. هاجر... لكن إلى أين؟أأرتحل من هم إلى هم مضاعف .أأهجر المكان و أنا خاليا من كل سلاح أواجه به كلاب الزمن المسعورة؟ أأرتمي في أحضان حلمت بها كثيرا لكنها تنقلب علي في لحظات فأعود من حيث أتيت و أنا مثقل بهموم متزايدة.
قيل لي: لا تفكر.. لا أستطيع ... ماذا أفعل إذا أخمدت في أعماقي ملكة التفكير أأقبل أن أكون سميا للحيوان من غير المعقول أن أتخلص من ملكة و هبتها لي السماء لأتحدى بها قوى الطبيعة التي تهدد بصورة مستمرة حياتي في مختلف أبعادها رغم أن هذه الملكة تتحمل الجانب الأكبر الذي أعاني منه اليوم.
في بعض اللحظات أحس بانفراج نوعا ما فأحاول أن أستنزف تلك اللحظات بكل ما أوتيت من جهد إيمانا مني أنها سوف لن تتكرر و لن أسعف بها من جديد.
أعيش تلك اللحظات بكل صفاء بعيدا عن كل هموم هذه الحياة التي جعلتني أسير ليل أناجيه و أعد نجومه و مع انبلاج فجر كل يوم جديد تبتدئ معي رحلة المتاعب من جديد.
حتى الوجوه التي ألتقيها ،القليل منها يدفع عني بعضا من همومي و يصاحبني في سفر جميل أكون فيه حرا و متحررا من كل القيود أما الأغلبية فهي تضع من حولي القيد تلو القيد و كأنها لا يحلو لها سوى مرافقتي حيثما حللت.
عند كل مساء عادة أعود بعد يوم متعب و طويل لأجلس مع نفسي جلسة صفاء فأجد نفسي وحيدا بين كتبي و أوراقي و أقلامي و حوائجي فلا أستطيع الخلاص من تفكير يحاصرني و يسألني عما فعلت في يومي و ماذا يمكن لي أن أفعل في غدي.
إنها هموم الدنيا تلاحقني حيثما حللت و أنا لا أستطيع الحراك أمامها لأنها سيدة علي تفعل في ما تشاء و لا أستطيع التمرد عليها سوى للحظات لأعود إليها من جديد و أرتمي بين أحضانها منتظرا ليلة ناعمة و دافئة لكن صقيع الهزيع الأخير من الليل يوقظني من جديد و يقطع علي حلمي الجميل لأعود و أستفتح يومي الجديد و أضيف إلى قاموسي متاعب أخرى لا نهاية لها ما دمت على وجه هذه البسيطة لأنني وجدت و انتهى كل شيء و ربما تتغير الظروف .
و لكن إلى ذلك الوقت أتمنى أن لا يطول عذابي أكثر و أن تشرق شمس أيامي الجميلة لتملئ كل أركان كياني بما يحوّل المتاعب التي تحاصرني إلى صراع حلو المذاق يؤسس للكيان لا ينخره.
ظروف جديدة أنتظر حلولها بين الفينة و الأخرى و أسعى جاهدا إلى تهيئة التربة الصالحة لها حتى تكون الأرض أهلا للمولود الجديد و هكذا أنجح في طرد ما علق بالذهن من كوابيس و أحول التجني على الحياة الذي يلازمني إلى عشق للحياة و سعي دؤوب لتحقيق امتلاء مشبع للكيان في هذا الزمن العصيب.