مشرف سابــق وبروفسور الفلسفة
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: تونس
المشاركات: 187
لقاء
لقاء
عندما افترقنا الأسبوع الفارط تعاهدنا على الالتقاء من جديد عند المكان المعهود ، مرت الأيام ببطء شديد الثقل يشبه ثقل الحمول التي يئن بها الجمل رغم قدرة التحمل لديه التي لا تقاس أبدا. كنت عند قاع كل يوم أتمنى أنني قد طويت يومين أو ثلاثة ، أحس بشعور باطني يجرفني وراءه لا أعرف لماذا ؟ إنها المرة الأولى التي أحس بهذا الشعور رغم أن لقاءاتي معها ليست حديثة العهد و إنما هي متجاوزة في الزمن.
كنت أفكر كثيرا و في بعض الأحيان أحس أنني تائه مثقل التفكير في ماذا أفكر ؟ لا اعرف .. فقط ذاك الشعور أحس به، أرغب في تقديم موعد اللقاء ، أعزم على ذلك لكن أتراجع و أهدئ خاطري محدثا نفسي أن الوقت لا زال لا بد من التريث.
اقترب الموعد فزادت حالتي النفسية سوءا و ازداد قلقي و أحسست باضطراب و خجل لم أعهده البتة، لقد أصبحت كثير التردد و غير ثابت على موقف معين، أتحرك في المكان أكثر من مرة أدلي عوضا عن الرأي الواحد بآراء متعددة يجمع بينها لفظ " لربما ".
لقد طغت علي حالة الشك و أقضت مضجعي و أرقتني و جعلتني كثير السهو كأنني لست من هذا العالم أحدق أمامي بشكل رهيب انظر إليه فقط ماديا أما بصري فهو يسرح في عالم آخر بعيدا لا اعرف أين اتجه فقط أحس انه ينقاد وراء ذلك الشعور الذي طغى علي منذ أيام قليلة خلت.
أشرقت شمس يوم اللقاء، أفقت من النوم مضطربا، مكثت في مخدعي لفترة طويلة أجول بنظري في أرجاء الغرفة، حاضرا بالبدن و الروح سابحة في ملكوت الإله هنا و هناك. غادرت الغرفة بعد صراع طويل مع خلية من الأفكار المتضاربة زارتني و طاب لها المقام بين الضلعي. بعد طول انتظار تمكنت من الانتصار عليها و تجاوزها نحو العالم المفتوح.
أول وجهة لي كانت المقهى و لا اعرف ما سر العلاقة بيني و بين مقهى الحي، ربما هو الذي أهداني الجوهرة التي بين يدي اقبل يديها و أتتمتع بأنغامها الرقيقة عند كل نهاية كل أسبوع.، يحتمل أن يكون هذا المقهى كغيره من الأماكن القليلة التي ارتادها كلما ضاقت بي السبل و أردت الاختلاء بنفسي لمراجعة بعض أموري الخاصة و العامة.ربما مقهى الحي يرتبط في ذاكرتي بما سبق إن صرحت به لذلك حافظ على تربعه على عرشي لبعض من ردهات الزمن.
بعد أن احتسيت قهوتي المفضلة " قهوة العادة و العوايد و الله لا يقطع لنا عادة" غادرت المقهى متجها قبلة ارض الموعد، ارض موعدي هي ليست كغيرها من الأراضي ، إن كل قطعة فيها تحمل لي ذكرى، كلما تطأ قدماي هذه الأرض أتذكر لقاءاتي فيها منذ البداية، أتذكر الأشجار التي تحجب عنا أعين الرقيب ، و أتذكر الكلاب الوفية التي دامت وفية لحراستنا لا تكل و لا تمل تسرع إلى الإحاطة بالمكان من كل الجهات لحظة إحساسها بقدومنا، حتى تعودت على النوم و انتظار موعد الحراسة. لقد أحست بصدق ما يجمع بيننا فأرادت أن تبني معنا عشنا السعيد و تقولون لي إن الحيوانات لا تدرك الأمور و أنا أقول نحن نتميز عنها بامتلاك ملكة العقل لكن ملكة الإحساس عندها اشد رهافة من بعض البشر.
وصلت بعد مسيرة غير طويلة إلى المكان، جلست إلى الشجرة الرمز التي تمثل العين التي ارتوى منها الشعور النبيل الذي جمعني برفيقة دربي. هذا الشعور الذي امتد و تفرع بيننا و لكنه بقي رهين الصمت رغم تجاوز الأمور بيننا إلى الحديث عن مستقبل الأيام و لكن لم يجرئ أحدنا على ذكر أو تفجير هذا الشعور الذي بقي رهين الكتمان.
مضى وقت طويل و طال الانتظار و كثرت شكوكي فالوقت أصبح يتأخر متجها نحو الليل و رفيقتي لم تخرج على الشاشة. في هذه اللحظات أحسست بان الشعور الذي زارني منذ أيام و أقام عندي لم يكن منطلقا من فراغ بل له دوافعه و ربما يحمل لي ما لا أريده.
انتظرت .. وانتظرت و لكن دون جدوى فالوقت أصبح متأخرا و قدومها دخل مجال المستحيل ، غادرت المكان متألما من جهة و آملا من جهة ثانية أن يكون غيابها ليس إنذارا بمال ما يجمع بيننا.
18 / 09 / 1999
09-07-2008, 12:30 AM
تعليمات المشاركة
العرض الشجري