إسلام الشاعر كعب بن زهير
قصة إسلام الشاعر كعب بن زهير
لما قدم الرسول صلى الله عليه وسلم من الطائف قام بقتل كل شاعر يهجوه ويؤذيه، فكتب جبير إلى أخيه لأبويه كعب بن زهير يخبره بهدر دمه ،فإما إذا كانت في نفسك حاجه فاذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لا يقتل أحدا جاءه تائبا، فارسل قصيدة الى اخيه يقول فيها:
ألا بلغــا عنــي بجــيرا رســالة ***** فويحـك ممـا قلـت ويحـك هـل لكا
فبيــن لنـا إن كـنت لسـت بفـاعل ***** عــلى أي شـيء غـير ذلـك دلكـا
عـلى خـلق لـم ألـف يومـا أبـا له ***** عليــه ومـا تلفـى عليـه أبـا لكـا
فـإن أنـت لـم تفعـل فلسـت بآسف ***** ولا قــائل إمــا عـثرت لعـا لكـا
ســقاك بهـا المـأمون كأسـا رويـة ***** فــأنهلك المــأمون منهــا وعلكـا
فارسل جبير إلى اخيه قصيده اخرى يخوفه ويتوعده ، فلم بلغ كعب الكتاب ضاقت به الأرض، وأشفق على نفسه، وأرجف به من كان في حاضره من عدوه، وقالوا: هو مقتول. فلما لم يجد من شيء بدا قال قصيدته التي يمدح فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر فيها خوفه وإرجاف الوشاة به من عدوه، ثم خرج حتى قدم المدينة فنزل على رجل -كانت بينه وبينه معرفة- من جهينة، كما ذكر لي، فغدا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الصبح، فصلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أشار له إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هذا رسول الله، فقم إليه فاستأمنه. فذكر لي أنه قام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس إليه، ووضع يده في يده، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعرفه، فقال: يا رسول الله، إن كعب بن زهير قد جاء ليستأمن منك تائبا مسلما، فهل أنت قابل منه إن جئتك به؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعم". فقال: إذا أنا يا رسول الله كعب بن زهير
فقبل منه الرسول صلى الله عليه وسلم وكساه بردته ، فقال قصيدته اللامية التي يصف فيها محبوبته التي أولها :
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول ***** متيم إثرها لم يفد مكبول
يسعى الغواة جنابيها وقولهم ***** إنك يا ابن أبي سلمى لمقتول
وقال كل صديق كنت آمله ***** لا ألهينك إني عنك مشغول
فقلت خلوا طريقي لا أبا لكم ***** فكل ما قدر الرحمن مفعول
كل ابن أنثى وإن طالت سلامته ***** يوما على آلة حدباء محمول
نبئت أن رسول الله أوعدني ***** والعفو عند رسول الله مأمول
مهلا هداك الذي أعطاك نافلة ال ***** قرآن فيها مواعيظ وتفصيل
لا تأخذني بأقوال الوشاة ولم ***** أذنب ولو كثرت في الأقاويل
لقد أقوم مقاما لو يقوم به ***** أرى وأسمع ما لو يسمع الفيل
لظل ترعد من خوف بوادره ***** إن لم يكن من رسول الله تنويل
حتى وضعت يميني ما أنازعها ***** في كف ذي نقمات قوله القيل
فلهو أخوف عندي إذ أكلمه ***** وقيل إنك منسوب ومسئول
إن الرسول لنور يستضاء به ***** مهند من سيوف الله مسلول
في عصبة من قريش قال قائلهم ***** ببطن مكة لما أسلموا زولوا
زالوا فما زال أنكاس ولا كشف ***** عند اللقاء ولا ميل معازيل
يمشون مشي الجمال الزهر يعصمهم ***** ضرب إذا عرد السود التنابيل
شم العرانين أبطال لبوسهم ***** من نسج داود في الهيجا سرابيل
بيض سوابغ قد شكت لها حلق ***** كأنها حلق القفعاء مجدول
ليسوا مفاريح إن نالت رماحهم ***** قوما وليسوا مجازيعا إذا نيلوا
لا يقع الطعن إلا في نحورهم ***** وما لهم عن حياض الموت تهليل
وتعتبر هذه القصيدة من أجمل القصائد في مدح الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، ونستخلص من هذه القصة رحمة وعطف وكرم الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم حتى على أعداءه بابي أنت وأمي يا رسول الله ما أرحمك وأكرمك.