العودة   نجاح نت > المنتديات العامة > المنتدى الاسلامي

المنتدى الاسلامي خاص بكل ما يتعلق بديننا الاسلامي من خطب ومحاضرات واناشيد إسلامية وكدلك أدعية وصور اسلامية وما اليه

إضافة رد
أدوات الموضوع
طريقة عرض الموضوع
قديم 01-04-2009, 11:12 PM
  #1
أحمد محمود
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 32
أحمد محمود is on a distinguished road
افتراضي *شرح الأصول الستة*محاضرات قام بإلقائها فضيلة الشيخ عبد السلام بن عبد الكريم بن برجس

شرح الأصول الستة
لشيخ الإسلام
محمد بن عبد الوهاب
رحمه الله تعالى

و هي محاضرات قام بإلقائها
فضيلة الشيخ
عبد السلام بن عبد الكريم بن برجس
رحمه الله تعالى

قام بكتابتها و تخريجها
أحد طلبة العلم
جزى الله خيرا كل من ساهم فيها وساعد على نشرها

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ،و من يضلل فلا هادى له .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد :
فهذه رسالة صغيرة أصلها مجموعة محاضرة ألقاها فضيلة الشيخ / عبد السلام بن برجس آل عبد الكريم – رحمه الله تعالى- في دورة علمية مصغرة بمدينة الشارقة بالإمارات بعنوان: " شرح الأصول الستة " و هي رسالة صغيرة لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله تعالى- مطبوعة ضمن مؤلفات علماء نجد.
أحببت نشرها راجيا عموم النفع بها فقمت بكتابتها من شرائط الشيخ ثم قمت بعزو الآيات و عزوت الأحاديث لكتب الشيخ الالبانى رحمه الله تعالى وذكرت لكل حديث موضع في كتب الشيخ الالبانى مع ذكر حكم الشيخ الالبانى عليه على قدر ما يسره الله و قد أضفت بعض التعليقات البسيطة مما وفقني إليه ربي لزيادة الفائدة .
و هذا على قدر علمي فأننى لست بطالب علم و لكنى أرجو أن أكون متعلم على طريق النجاة أجتهد قدر استطاعتي و اسأل الله أن يتقبل منى و من كل من أعانني على هذا الخير و أعان على نشره فهو شرح وافى.
ملحوظة : الشيخ معروف بمنهجه السلفي الصافي فان وجد خطأ فلا ينسب إلى الشيخ و لكن أنسبه لسوء فهمي أو خطأ منى و الشيخ منه براء و يعلم الله اننى أجتهدت قدر استطاعتي لأصلح هذا العمل.
و الخطأ و الإكراه و النسيان *** أسقطه معبودنا الرحمن
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل،،
كتبه
أبو عبد الرحمن السلفي
القاهرة
10 ربيع أول 1428هـ

كلمة عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب
1- نسب و سيرته ..
هو محمد بن عبد الوهاب بن سليمان بن علي بن محمد بن أحمد بن راشد بن بريد بن محمد بن بريد بن مشرف بن عمر بن معضاد بن ريس بن زاخر بن محمد بن علوي بن وهيب . ويقال : ( المشرفي ) نسبة إلى جده مشرف وأسرته آل مشرف ، ويقال : ( الوهيبي ) نسبة إلى جده وهيب ويقال : ( التميمي ) نسبة إلى تميم أبي القبيلة الشهيرة ، والتي ورد فيها ما رواه البخاري في صحيحه في كتاب العتق (3/122 ) وفي كتاب المغازي (5/115- 116) ومسلم في فضائل الصحابة برقم ( 198 ) عن أبي هريرة واللفظ هنا لمسلم : عن أبي زرعة قال : قال أبو هريرة : لا أزال أحب بني تميم من ثلاث سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( هم أشد أمتي على الدجال ) ، قال : وجاءت صدقاتهم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( هذه صدقات قومنا ) ، قال وكانت سبية منهم عند عائشة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أعتقيها ؛ فإنها من ولد إسماعيل ) .
2- مولده ونشأته العلمية ..
ولد الشيخ محمد بن عبد الوهاب سنة ألف ومائة و خمس عشرة ( 1115 هـ ) ، من هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم ، في بلدة العيينة على الصحيح . انظر : روضة الأفكار لابن غنام (1/25 ) .
تعلم القرآن وحفظه عن ظهر قلب قبل بلوغه عشر سنين ، و كان حاد الفهم وقّاد الذهن ذكي القلب سريع الحفظ ، قرأ على أبيه في الفقه ، و كان رحمه الله في صغره كثير المطالعة في كتب التفسير والحديث وكلام العلماء في أصل الإسلام ، فشرح الله صدره في معرفة التوحيد وتحقيقه ومعرفة نواقضه المضلة عن طريقه ، و جد في طلب العلم وأدرك و هو في سن مبكرة حظاً وافراً من العلم ، حتى إن أباه كان يتعجب من فهمه ويقول : لقد استفدت من ولدي محمد فوائد من الأحكام . انظر : روضة ابن غنام (1/25 ) وعنوان المجد لابن بشر (1/6 ) .
3-أثر البيئة في توجيه الشيخ علمياً ..
لقد أبصر الشيخ البيئة من حوله بواقعها والناس في حياتهم ويدنهم على الغالب في تناقض وتصادم مع ما نشأ عليه من علم وما عرفه من الحق على بد أبيه ومن خلال مطالعته لكتب المحققين من علماء السلف الصالح ، فما تعلمه في واد ، والواقع الجاري من الناس على العموم والغالب في واد آخر .
ذلك أن البيئة في نجد على الخصوص كما هو سائر البلاد الأخرى على العموم بيئة جاهلية بيئة خرافة وبدعة امتزجت بالنفوس فأصبحت جزءاً من عقيدتها إن لم تكن هي عقيدتها .
ولاشك أن بيئة هذه عقيدتها مناقضة لما نشأ عليه الشيخ ولما تربخلقه،مه .. فكان لابد أن يخرج إلى هذه البيئة يعاملها بمقتضى سنة الله في خلقه ، والشيخ بين أمرين :
إما أن يستسلم للبيئة ويصبح مثل الآخرين، وإما أن يصمم على محاربة الخرافة المنتشرة.. لكن قد اختار الشيخ رحمه الله على أن يقوم لله قومة انصدعت لها جبال الجاهلية وتقطعت بها غيوم الباطل و شبهاته ، فعزم على تنحية البدع من الحياة التي حوله ، و إيقاظ النائمين وتنبيه الغافلين ، والعمل على نشر الإسلام والنور من الكتاب والسنة وسيرة الصالحين .
4-رحلة الشيخ وطلبه للعلم ..
هنا توجه الشيخ للرحلة في طلب العلم فرحل الشيخ إلى مكة والمدينة والبصرة غير مرة، طلباً للعلم.. ولم يتمكن من الرحلة إلى الشام وعاد إلى نجد يدعوهم إلالتوحيد. . راجع حول موضوع رحلات الشيخ المختلفة في طلب العلم و شيوخه الذين أخذ عنهم، كتاب: عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب (1/133 174 ) .
5-عقيدة الشيخ رحمه الله:
هي عقيدة السابقين الأولين من المهاجرين والأنصابإحسان.دة الرسول صلى الله عليه وسلم والتابعين لهم بإحسان .. عقيدة أئمة الهدى .. أبي حنيفة والشافعي و مالك وأحمد وابن عيينة والثوري وابن المبارك والبخاري وسلم وأبي داود وسائر أصحاب السنن وأهل الفقه وأثر رحمهم الله
6-وفاته الشيخ رحمه الله..
في عام ست ومئتين وألف من هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم (1206 هـ ) توفي الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ، قال ابن غنام في الروضة (2/154 ) : كان ابتداء المرض به في شوال ، ثم كان وفاته في يوم الاثنين من آخر الشهر .




الشريط الاول
قال شيخ الإسلام رحمه الله: من أعجب العجاب، وأكبر الآيات الدالة على قدرة الملك الغلاب ستة أصول بينها الله تعالى بياناً واضحاً للعوام فوق ما يظن الظانون، ثم بعد هذا غلط فيها كثير من أذكياء العالم، وعقلاء بني آدم إلا أقل القليل.
الشرح:
- هذا المتن من المتون التي ينبغي الاهتمام بها و أن يُنشأ عليه طلبة العلم من أهل السنة.
( من أعجب العجب ) أي من أكثر ما يثير العجب ما عليه الناس في هذا الزمان – زمان الشيخ- من التعامل مع هذه الأصول الستة وحالهم معها حيث أنهم جهلوا هذه الأصول فلم يعلموها أو علموها ولم يعملوا بها على الرغم من شدة بيانها و وضوحها فهذا أمر داعي للتعجب1 وهذا سبب تأليف الشيخ لهذه الرسالة ليزيل سبب هذا العجب.
العجب والتعجب : إنفعال النفس لزيادة صورة في المتعجب منه ويطلق التعجب ويراد به المدح كما في قولك : ما أشد أدبه ، وقد يطلق و يراد به الذم والإنكار وهو المقصود في كلام الشيخ هنا.
( وأكبر الآيات الدالة على قدرة الملك الغلاب ) وهو ما ظهر من جهل المجتمع لهذه الأصول والعمل بخلافها على الرغم من شدة بيانها إلا أن أكثر الناس ضلوا فيها وهذه من أكبر الآيات الدالة على قدرة الله و حكمه2.
واقتصر الشيخ على هذه الأصول الستة لسببين:
1) لأن المخالفة من أهل زمانه لهذه الأصول كانت شديدة ة على الرغم من شدة وضوحها.
2) أن هذه الأصول الستة هي أهم ما يقوم عليه الدين الصحيح وبالخلل فيها يكون الخلل في دين الناس سواء كان هذا الخلل كلياً أو جزئياً ولهذا خص هذه الأصول بالذكر.
- الأصل لغة: هو أسفل الشى واصطلاحاً: ما يبنى عليه غيره والمقصود بالأصول هنا أصول الدين وأصول العقيدة التي يجب على كل مسلم أن يعرفها ويعمل بها.
و هذه الأصول قد تناولت قضايا اعتقادية وقضايا عملية كما سنعرضها وهذا يدل على صحة تقسيم الدين إلى أصول وفروع وهذا التقسيم له حالان :
1- أن ُقصد بهذا التقسيم أن الدين ينقسم إلى أصول وفروع والأصول هي الأمور الأساسية في الدين سواء كانت عقائديه أو عملية و هي مما لا يقوم الدين إلا به وهى ركن من أركان الدين وأن الفروع ما يعذر المرء بتركه أو تأخيره فهذا التقسيم مقبول.
2- إن قصد بهذا التقسيم أن الأصول ما يتعلق بالأمور العقائدية والفروع ما يتعلق بالأمور العملية فهذا غير مقبول ، وبناءً على هذا التقسيم فقد بنوا أحكاماً أخرى مثل قولهم أن الأصول لا يعذر فيها والفروع يعذر فيها فهذا هو التقسيم الذي أنكره العلماء كابن تيميه وغيره.
- قوله( بينها الله تعالى بياناً واضحاً ) أي أن هذه الأصول قد بينها الله بياناً واضحاً جلياً بحيث أن العامة من المسلمين يمكنهم فهمها فكيف بمن فوقهم من طلبة العلم بل كيف بمن أعلى من هولاء و هم العلماء.
- والعجب أنه مع بيان هذه الأصول إلا أن الناس ضلوا فيها وكذلك ضل فيها الكثير من الأذكياء والعلماء إلا من رحم الله تعالى ، وعليه فسيكون الخلل فيها من العوام أكثر وأعظم لأن العوام يطيعون سادتهم وكبرائهم3 ، فإن كان عقلاء بني آدم مثل عاد وثمود وبني إسرائيل الذين عبدوا العجل وكذلك صناديد قريش ومعلوم أن كلهم كانوا يتمتعون بالعقل الراجح والقول السديد وقوة الأجسام ومع ذلك حاربوا الرسل وعبدوا غير الله تعالى فقال الله عنهم {وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِن مَّكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُم مِّن شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُون} (الأحقاف: 26) فعقولهم التي يدركون بها المواعظ وأذانهم التي يسمعون بها ما تتلوه الرسل وأبصارهم التي يرون بها حجج الله وآياته الكونية كل هذا لم ينفعهم بشئ، ولهذا كان على المسلم دائماً أن يسأل الله الهداية ويتعلق بالله تعالى ليهديه إلى الصراط المستقيم لأن التوفيق بيد الله عز وجل4.
( إلا أقل القليل) القلة صفه ملازمة دائماً في الغالب لأهل الحق وهذا واضح في آيات الله تعالى وأهل الحق وإن كانوا قله في العدد ولكنهم في قوة الإيمان أكثر من أهل الشرك والكفر والضلال. وأهل الحق هم قله دائماً في عددهم كما في قوله تعالى{ وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} (سبأ:13) و في الحديث ( لما أسرى بالنبي صلى الله عليه وسلم جعل يمر بالنبي والنبيين ومعهم القوم والنبي والنبيين ومعهم الرهط والنبي والنبيين وليس معهم أحد) 5 .
وقلة أهل الحق لا تعنى أنهم على ضلال أو باطل كما يدعى ذلك أو يفهمه أهل الباطل ممن أزاغ الله قلبه ففي الحديث ( بدأ الإسلام غريبا وسيعود كما بدأ فطوبى للغرباء)6 رواه مسلم ، فهؤلاء القلة هم الغرباء هم الذين اصطفاهم الله عز وجل7.
الأصل الأول:
إخلاص الدين لله تعالى وحده لا شريك له، وبيان ضده الذي هو الشرك بالله، وكون أكثر القرآن في بيان هذا الأصل من وجوه شتى بكلام يفهمه أبلد العامة، ثم لمّا صار على كثير من الأمة ما صار، أظهر لهم الشيطان الإخلاص في صورة تنقص الصالحين، والتقصير في حقوقهم، وأظهر لهم الشرك بالله في صورة محبة الصالحين وأتباعهم.
الشرح:
الأصل الأول: إخلاص التوحيد لله وحده وبيان ضده وهو الشرك
الشيخ هنا لا يريد أن يتكلم في الأصل وحده ولكن يريد أن يتكلم في الأصل وضده فهو لا يذكر الأصل لذاته ولكن ليطرح القضية فيذكر الأصل وبيان حال الناس فيه من الضلال والزيغ بسبب شبهات الشيطان.
الإخلاص : أحد أركان التوحيد ، و التوحيد له ركنان، الركن الأول الإخلاص والركن الثاني الصدق في متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم وقد جمع الله تعالى بين هذين الركنين في قوله تعالى {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} (البينة :5) فالعبادة لابد فيها من الإخلاص وكلمة حنفاء8 تدل على وجوب الصدق في متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم.9
والإخلاص مأخوذ في اللغة من الخالص وهو الشئ الأبيض الذي لم يشركه شئ غيره من الألوان ولم يدنسه أذى والعرب يسمون الأبيض الصافي بالخالص لأنه نقى والإخلاص في اصطلاح أهل السنة هو توحيد المراد كما قال ابن القيم في نونيته :
وحقيقة الإخلاص توحيد المراد *** فلا يخالطه مراد ثانٍ
فلابد أن تتعلق إرادة العبد ونياته بالله تعالى كما قال تعالى {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (الأنعام:62) .
والإخلاص هو و متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم الحدان الفارقان في العمل فربما يتحد العملان في الصورة ولكن يختلفان في الأجر لاختلاف النية كما جاء الحديث " إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه"10 و اختلاف القصد يؤدى لاختلاف الحكم وكذلك في الحديث ( أن أعرابيا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن الرجل يقاتل للذكر ويقاتل ليحمد ويقاتل ليغنم ويقاتل ليرى مكانه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قاتل حتى تكون كلمة الله هي الأعلى فهو في سبيل الله عز وجل)11 فدل على أن من كانت نيته لله وإخلاصه لله هو من يكون له حكم الشهيد.
( وبيان ضده الذي هو الشرك والنهى عنه) : وبيان ضده و العطف هنا على محل الإخلاص فالأصل الأول هو بيان التوحيد والأمر به وبيان الشرك والنهى عنه وقد جمع الله بينهما في كثير من الآيات كقوله تعالى{ وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا}(النساء:36) فلا يتحقق إيمان المسلم وتمسكه بالعروة الوثقى إلا بهذين الأمرين معاً كما في قوله تعالى(فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى )
( البقرة:256) فشهادة أن لا إله إلا الله فيها تلازم بين الكفر بالطاغوت والإيمان بالله.
لا إله: نفى جميع المعبودات من دون الله وهذا كفر بالطاغوت.
إلا الله: إثبات العبادة لله وحده لا شريك له.
( وكون أكثر القرآن في بيان هذا الأصل) الأصل هنا مقصود به الأمر بالتوحيد والنهى عن الشرك لأن بيان الشرك فيه تجلية للتوحيد وإظهاراً له لأن الضد يعرف بضده كما قيل: والضد يظهر حسنه الضد.: وبضدها تتمايز الأشياء
و بمعرفة الشرك وتجنبه يسلم منه المسلم ولذا يتعرف الإنسان الشرك ليتقيه كما قيل:
عرفت الشر لا للشر ولكن لتوقيه ** ومن لا يعرف الشر من الناس يقع فيه
ولهذا كان حذيفة بن اليمان كما يحكى عن نفسه : ( كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: عَنِ الْخَيْرِ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي) 12 ولذا قال عمر بن الخطاب " إنما تنقض عرى الإسلام عروة عروة إذا نشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهلية "
( من وجوه شتى) هذه الجملة تشمل على مسألتين هامتين :
أ‌) أن أكثر القران جاء لبيان التوحيد والنهى عن الشرك وهذه الحقيقة يعرفها كل من قرأ القران واستمع له ولذا قال ابن القيم : إن كل آية في القران متضمنة للتوحيد وداعية إليه و فسر هذا بأن القران لا يخلو أن يأتي في خمس مواضيع :
1- خبر عن الله وأسمائه وصفاته وأفعاله وهذا هو التوحيد العلمي الخبري أي الذي يستفاد عن طريق الخبر وعن طريق العلم.
2- الدعوة إلى عبادة الله وحده لا شريك له وخلع كل ما يعبد من دونه وهو التوحيد الطلبى وهو توحيد الالوهيه.
3- أمر ونهى وهو إلزام بطاعة الله وفعل أمره واجتناب نهيه وهذا من حقوق التوحيد.
4- إنعام الله على أهل التوحيد وذكر ما أعد لهم من الجزاء في الدارين وهذا جزاء التوحيد.
5- خبر عن الكفار وما أعده الله لهم من عذاب عقوبة على ترك التوحيد.
ومن ثم فالقران كله جاء في بيان التوحيد.
و سورة الفاتحة كل أية فيها توحيد " الحمد لله رب العالمين " توحيد و كذلك باقي الآيات.
ب) من حكمة الله تعالى حتى تقوم الحجة على الناس أن جعل كل آيات التوحيد في القران سهلة بسيطة ومختلفة الأساليب حتى أن لم يفهم بهذا الأسلوب فهم بأسلوب أخر ولهذا فمن بلغة القران فقد بلغته حجة الله الرسالية فإن لم يدخل في دين الله عز وجل فهو من أهل النار.
* الوجوه التي جاءت عليها الآيات القرآنية المتضمنة للتوحيد يفهمها كل إنسان إلا من كان مجنوناً أو معتوهاً، وهذه الوجوه كثيرة منها:
1) الأمر صراحة بعبادة الله وحده لا شريك له وأنه عز وجل مختص بهذه العبادة فلا تجوز أن تصرف لغيره مثل قوله تعالى { قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَوا بِهِ شَيْئًا } (آل عمران:64) { وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا } (النساء:36) {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ َ} (النحل:36) " و قوله تعالى {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ } (الإسراء:23)
2) النهى الصريح المباشر عن الشرك والكفر :
قوله تعالى {قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا } (الأنعام:151)
قوله تعالى {لَّكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا} (الكهف:38)
قوله تعالى { إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ} (المائدة:72)
قوله تعالى {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا } (النساء:48)
فكلها آيات صريحة في النهى عن الشرك فهل من سمع هذه الآيات لا يعرف معنى التوحيد ولا يعرف خطورة الشرك.
3) إن الله أثبت أنه وحده المتفرد بالإلوهية ولا يشركه فيها احد من المخلوقات لا نبي مرسل ولا ملك مقرب، و منه قوله تعالى {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ } (محمد : 19) و قوله تعالى { أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} (الكهف :110)
4) بيان الله لاختصاصه بالربوبية فوجب إفراده في الالوهيه لزوماً لهذا، ولذا احتج الله على الكفار بتوحيد الربوبية ليحققوا توحيد الإلوهية في سورة البقرة {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ* الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاء بِنَاء وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} (البقرة 21-22) سورة وقوله تعالى {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ} (قريش :3)
5) إن الله خاطب عقول الناس وبين لهم أن كل معبود من دون الله تعالى هو معبود نقص لا يملك ما يؤهله لهذه اللعبودية كما جاء في قوله تعالى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ} (الحـج :7)
6) ذكر الله تعالى للآيات الدالة على نعمه الظاهرة والباطنه وفيها إلزامهم بالعبادة له فوجوه تقرير القران للتوحيد كثيرة بما لا يبقى شبهه في قلب أحد.
( كلام يفهمه أبلد العامة ) البليد هو من إذا تنشط وأخذ المنشطات فإنه لا ينشط وعلى الرغم من ذلك فإن من كان بهذه البلادة الشديدة وتليت عليه آيات القران فسوف يعلم مراد الله منها لأن هذا القران ميسر من عند الله واضح {فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْمًا لُّدًّا} (مريم:97) {فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} (الدخان:58) {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} ( القمر:22)
ثم انتقل الشيخ بعد بيان الإخلاص لله والنهى عن الشرك إلى بيان حالة الأمة والماسة فيه.
------ نهاية الشريط الأول و بداية الشريط الثاني -------
( تابع الأصل الأول)
قول الشيخ (ثم لمّا صار على كثير من الأمة ما صار)
- فيه بيان أن الأمة مرت بمرحلتين مرحلة سليمة وهى زمن النبى صلى الله عليه وسلم وزمن القرون المفضلة التي شهد لها الرسول صلى الله عليه وسلم بالخيرية وهذه القرون سلمت من الشرك حتى يأس الشيطان أن يعبد في جزيرة العرب ولما بعدت هذه القرون صارت الأمة إلى ما صارت إليه من انتشار الجهل وقلة العلم مما كان سبباً في انتشار الشرك بالله وانتشار البدع والمحدثات .
- فيه بيان أن الشرك فشى وأنتشر وهذا الحكم ليس خاصاً بإطلاقه من قبل الشيخ ولكن الكثير من أهل العلم أصدروا هذا الحكم وقرروه كما ذكره أهل العلم في البلدان وكما جاء في تاريخ الجبرتي في مصر و ما ذكره الأمير الصنعانى والإمام الشوكانى وابن غنام في تاريخه وكما ذكره كل من شاهد الشرك والخرافة والبدع في سائر الزمن علم أن حكم الشيخ محمد بن عبد الوهاب لم يكن خارجاً عن واقع الأمة فضلاً وحتى لا يقال أن هذا الحكم صادر من الشيخ أو من أتباعه فإني أسمعكم كلاماً جميلاً لأحد الأدباء الكبار وهو مصطفى لطفي المنفلوطي فقد ذكر في كتابه " النظرات " ما يلي :
( كتب إليَّ أحدُ علماءِ الهند كتاباً يقول فيه: إنه اطلع على مؤلف ظهر حديثاً (بلغة التاميل)، وهي لغة الهنود الساكنين بناقور وملحقاتها بجنوب مدراس.... و موضوعه : تاريخ حياة السيد عبد القادر الجيلاني، وذكر مناقبه وكراماته . فرأى فيه من الصفات والألقاب التي وصف بها الكاتب السيد عبدالقادر، ولقبه بها صفاتٍ وألقاباً هي بمقام الألوهية أليق منها بمقام النبوة ؛ فضلاً عن مقام الولاية كقوله: "سيد السموات والأرض" و "النفاع الضرار" و"المتصرف في الأكوان" و"المطلع على أسرار الخليقة" و"محيي الموتى" و"ومبرئ الأعمى والأبرص والأكمه" و"أمره من أمر الله" و"ماحي الذنوب" و"دافع البلاء" و"الرافع الواضع" و"صاحب الشريعة" و"صاحب الوجود التام" إلى كثير من أمثال هذه النعوت والألقاب ويقول الكاتب: إنه رأى في ذلك الكتاب فصلاً يشرح فيه المؤلف الكيفية التي يجب أن يتكيف بها الزائر لقبر السيد عبد القادر الجيلاني يقول فيه: "أول ما يجب على الزائر: يتوضأ وضوءاً سابغاً، ثم يصلي ركعتين بخشوع واستحضار، ثم يتوجه إلى تلك الكعبة المشرفة وبعد السلام على صاحب الضريح المعظم يقول يا صاحب الثقلين، أغثني وأمدني بقضاء حاجتي، وتفريج كربتي، أغثني يا محي الدين عبدالقادر، أغثني يا ولي عبدالقادر، أغثني يا سلطان عبدالقادر، أغثني يا بادشاه عبدالقادر، أغثني يا خوجة عبدالقادر يا حضرة الغوث الصمداني، يا سيدي عبدالقادر الجيلاني، عبدك ومريدك مظلوم عاجز محتاج إليك في جميع الأمور في الدين والدنيا والآخرة . ويقول الكاتب - أيضاً -: إن في بلدة ( ناقور) في الهند قبراً يسمى "شاه الحميد"، وهو أحد أولاد السيد عبدالقادر - كما يزعمون - وإن الهنود يسجدون بين ذلك القبر سجودهم بين يدي الله، وإن في كل بلدة من بلدان الهنود وقراها مزار السيد عبدالقادر.. فيكون القبلة التي يتوجه إليها المسلمون في تلك البلاد والملجأ الذي يلجؤون في حاجاتهم وشدائدهم إليه، وينفقون على خدمته وسدنته، وفي موالده وحضراته ما لو أنفق على فقراء الأرض جميعاً لصاروا أغنياء.
هذا ما كتبه إليَّ ذلك الكاتب، ويعلم الله أني ما أتممت قراءة رسالته حتى دارت بي الأرض الفضاء، وأظلمت الدنيا في عيني، فما أُبصر مما حولي شيئاً؛ حزناً وأسفاً على ما آلت إليه حالة الإسلام بين أقوام أنكروه بعد ما عرفوه، و وضعوه بعد ما رفعوه، وذهبوا به مذاهب لا يعرفها، ولا شأن له بها.
أي عين يجمل بها أن تستبقي في محاجرها قطرة واحدة من الدمع، فلا تريقها أمام هذا المنظر المحزن، منظر أولئك المسلمين، وهم ركَّع سجَّد على أعتاب قبر ربما كان بينهم مَنْ هو خير مِنْ ساكنه في حياته، فأحرى أن يكون كذلك بعد مماته؟ أي قلب يستطيع أن يستقر بين جنبي صاحبه ساعة واحدة، فلا يطير جزعاً حينما يرى المسلمين أصحاب دين التوحيد أكثر من المشركين إشراكاً بالله؛ و أوسعهم دائرة في تعدد الآلهة وكثرة المعبودات ؟ لِمَ يَنْقِمُ المسلمون التثليث من المسيحيين؟ لِمَ يحملون لهم في صدورهم تلك المُوجِدَةَ وذلك الضغن؟ وعلام يحاربونهم؟ وفيما يقاتلونهم، وهم لم يبلغوا من الشرك بالله مبلغهم، ولم يغرقوا فيه إغراقهم؟!يدين المسيحيون بآلهة ثلاثة، ولكنهم يشعرون بغرابة هذا التعدد وبعده عن العقل، فيتأولون فيه ويقولون: إن الثلاثة في حكم الواحد، أما المسلمون فيدينون بآلاف من الآلهة أكثرها جذوع أشجار، وجثث أموات، وقطع أحجار، من حيث لا يشعرون) انتهى كلامه رحمه الله تعالى.
- ولما صارت الأمة في طريق الجهل وجد الشيطان طريقه لإفساد الأمة ولأن الشيطان لا يسعى لتكثير سواد الفساق بقدر ما يسعى لتكثير سواد المشركين والكافرين لأن هذا هو العهد الذي أخذه على نفسه وهو أن يجتهد في إدخال الناس إلى جهنم وأن يكونوا مخلدين فيها وهذا لا يتحقق إلا بالشرك كما في قوله تعالى ({قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ*إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} (ص: 82-83).
ولهذا فإن من عظيم دهاء الشيطان ألا يرضى من العباد إلا بالكفر ففي مسند الإمام الدارمى ( أن الشيطان قال لأوليائه من أي شئ تأتون بني آدم ...... )
فوضع لهم الأهواء فوقعوا في الأهواء والبدع لأنهم يظنون أنهم على هدى فلا يستغفرون وهؤلاء الذين أشار إليهم في قوله تعالى { قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا} (الكهف: 103)

شبهه والرد عليها
وهذه الشبهة سوف تخون كل من تعلق بها في أصعب المواقف وقد مررها الشيطان ليصبح التوحيد شرك والشرك توحيد.
وهذه الشبهة جاءت عن طريق الصالحين واتكأ عليها الشيطان لأن قلوب الناس تحبهم فوقع الناس في الشرك عن طريق المغالاة في الصالحين وإنزالهم منازل أكبر من منازلهم 13فدخل إليهم الشيطان عن طريق الصالحين ليزيل الكثير من النصوص كما جاء في حديث حذيفة ( سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودا عودا فأي قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء وأي قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء حتى يصير على قلبين أبيض بمثل الصفا فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض والآخر أسود مربادا كالكوز مجخيا لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا إلا ما أشرب من هواه ) رواه مسلم.
مراحل إضلال الشيطان
المرحلة الأولى: وكما جاء إلى قوم نوح إبليس فقال لهم ألا تضعون لهم نصباً لتذكروا عبادتهم فمات الجيل الأول ولم تعبد الأصنام.
المرحلة الثانية : جاء الشيطان للجيل الثاني وقال لهم إن أولكم ما وضعوا نصب ليغوث ويعوق ونسرا إلا لأنهم كانوا يستشفعون بهم إلى الله تعالى فبدأ يستشفعون بهم.
المرحلة الثالثة: كذلك وسوس لهم الشيطان بأن دعاء الله عند القبور الصالحين أولى وأنفع وأبرك من الدعاء في المساجد فأصبحوا يدعون عند القبور.
المرحلة الرابعة : وسوس لهم الشيطان بدعاء أصحاب القبور أنفسهم ليكشفوا مرضهم ويقضوا حاجاتهم.
المرحلة الخامسة: أوقعهم الشيطان في الشرك وذلك لأن الدعاء هو العبادة ولقوله تعالى {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} (الجن: 18)
المرحلة السادسة : بدأ العاكفون على القبور بدعوة الناس لما وقعوا فيه من الشرك مدعين – كذباً – أن هذا هو التوحيد وأن هذه هي محبة الصالحين فبدأ هؤلاء القبور يون بالدعوة لهذا الباطل وألفوا الكثير من المؤلفات التي تدعوا لدعاء القبور.
المرحلة السابعة : العداوة الشديدة لكل من دعا إلى العودة إلى ما كانت عليه الأمة في الأجيال الفاضلة من التوحيد وإفراد العبادة لله والنهى عن الشرك والتحذير منه تحت شبهه أن هؤلاء يتنقصون من الصالحين ويزدرونهم، وهذا غير صحيح فلم يقلل أحداً من الصالحين ولا من مكانتهم ولكن يجب ألا تكون مكانتهم في قلوب العباد كمكانة الله سبحانه وتعالى وعليه فإن أفضل الصالحين وهو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم جاءت السنة الصحيحة عنه عمر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم فإنما أنا عبده فقولوا عبد الله ورسوله) متفق عليه.
وكما جاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه لعن اليهود والنصارى لما اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد كما جاء في الحديث لما ذكرت له إحدى زوجاته لكنيسة رأتها بالحبشة.
فالصالحين لا يُرفعون لمنزلة الله تعالى فهذا شرك وكفر بل هو عين التنقيص للصالحين لأنهم يتبرءون من هذا الشرك كما جاء عن عيسى بن مريم في قوله تعالى {وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ} (المائدة :116) وكما جاء عن الملائكة – فإنهم يتبرءون ممن يشركونهم مع الله تعالى { وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاء إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ*قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِم بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ} (سبأ:40-41).
وكما جاء في الحديث أن رجل قال للنبي صلى الله عليه وسلم ( ما شاء الله وشئت قال جعلت لله ندا ما شاء الله وحده) 14وهو نفسه صلى الله عليه وسلم الذي قال ( من مات يدعو من دون الله نداً دخل النار ) .
فالشبهة الشيطانية التي أظهرها الشيطان شبهه ساقطة منهارة لا تنطلي إلا على من طمس الله بصره وبصيرته فنبه الشيخ على هذا الأصل المهم وهو الإخلاص لله تعالى والحذر من الشرك وبين أن الآيات القرآنية واضحة في الدلالة على هذا الأصل ثم بين واقع الأمة المر من انتشار الشرك إلا من قلة قليلة .
ثم بين أن هذا الشرك هو شبهه لا ساتر لها ثم بين براءة أهل التوحيد والسنة من تنقص الصالحين بل إن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( إن من إجلال الله إجلال حامل القرأن غير الغالي فيه والجافي عنه ) فنحن نجل الصالحين ونقدرهم ونحبهم بقدر ما تمسكوا بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ولهذا قال الشافعي ( لا يعجبك أحد حتى ولوطار في الهواء حتى ولو مشى على الماء حتى تعرضه على الكتاب والسنة فإن وأفقها فهو والى وإن خالفها فهو شقي) .


الأصل الثاني:
( أمر الله بالاجتماع في الدين ونهى عن التفرق فيه. فبين الله هذا بياناً شافياً تفهمه العوام. ونهانا أن نكون كالذين تفرقوا واختلفوا قبلنا فهلكوا. وذكر أنه أمر المسلمين بالاجتماع في الدين ونهاهم عن التفرق فيه، ويزيده وضوحاً ما وردت به السنة من العجب العجاب في ذلك، ثم صار الأمر إلى أن الافتراق في أصول الدين وفروعه من العلم والفقه في الدين، وصار الأمر بالاجتماع في الدين لا يقوله إلا زنديق أو مجنون).
الشرح:
الأصل الثاني:الأمر بالاجتماع في الدين والنهى عن التفرق فيه

بعد أن بين المؤلف الأصل الأول وما وقع الناس فيه من الشرك انتقل إلى الأصل الثاني وهو أمر في غاية الأهمية فقال(أمر الله بالاجتماع في الدين و نهى عن التفرق فيه ) عقب لهذا الأًصل بعد الأصل السابق لأن انتشار الشرك في الغالب لا يقع إلا بعد حدوث التشاحن والاختلاف بين المسلمين ولهذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم كثيراً ما يقرن بين الشرك وخطورة الشحناء بين المسلمين كما جاء في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " تعرض أعمال الناس في كل جمعة مرتين يوم الإثنين ويوم الخميس فيغفر لكل مؤمن إلا عبدا بينه بين أخيه شحناء فيقال اتركوا هذين حتى يفيئا ) رواه مسلم . وقال صلى الله عليه وسلم ( إن الله تعالى ليطلع في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن )15 فالطريق إلى الشيطان لتمرير الشرك هو وجود الشحناء بين المسلمين فينشغل المسلمون يبعضهم البعض تبديعاً وتفسقاً وتكفيراً فينسون مقاصد الشريعة والتوحيد.
الاجتماع في الدين: هو أن يلتقي المسلمون على دين الله عز وجل {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ }(آل عمران :19) والتقائهم في الدين يحتم عليهم الاجتماع كما في قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً }(البقرة : 208)
النهى عن التفرق :
التحذير الشديد من مفارقة دين الإسلام والخروج عنه .
( واختلفوا قبلنا فهلكوا ) وأسباب هذا الاختلاف كما في قوله تعالى {وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ }( هود:118) وقوله تعالى {وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُواْ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ }(يونس :19) و قوله تعالى { وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ } (هود :18) فالحق يتصارع مع الباطل إلى قيام الساعة فالناس كانوا مجتمعين على رسلهم وأنبيائهم .
إلا من رحم ربك : بإتباع النبي صلى الله عليه وسلم وسننه وأوامره فإتباع النبي لا يختلفون أي لا يقع بينهم اختلاف مذموم يدعو للشحناء والعداوة ولكن يقع بينهم خلاف يؤدى للحق ويظهره 16وهذا ما أراده الله تعالى في قوله تعالى { فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ } (النساء:59) فالتنازع المؤدى للشحناء لا يقوم به إلا من شاق الأنبياء وكذبهم ومنه قوله تعالى {مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} ( الروم:32) وكما ورد عن سفيان بن عيينة " من ضل من علمائنا ففيه شبه من اليهود ومن ضل من عبادنا ففيه شبه من النصارى" 17
فنهانا الله سبحانه وتعالى أن نكون كالذين اختلفوا وتفرقوا فقال { وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ} (البقرة :176) وهذا من علامات سخط الله كما جاء في سنن أبى داود(عن أبي أمامة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل) ثم قرأ النبي صلى الله عليه وسلم قوله تعالى ( ما ضربوه لك إلا جدلاً ) 18 . قوله( فهلكوا) : أي هلكوا في دينهم ودنياهم كما ترى اليهود { بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى }(الحشر:14) وكما جاء في قوله تعالى {ثُمَّ أَنتُمْ هَؤُلاء تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِّنكُم مِّن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِم بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } (البقرة:85) لأنهم اختلفوا في دين الله فهذا وجه هلاكهم في الدنيا.
والمؤلف خص التفرق بالذكر لأن آيات كثيرة جاءت في خص التفرق بالذم والنهى عنه و أيضا لأن التفرق سهل على كل نفس.
* والآيات التي تجمع بين الأمر بالاجتماع والنهى عن التفرق كثيرة منها:
({وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ } (عمران:103 )
{شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ} (الشورى :13) وسماها وصية لأهميتها والاهتمام بعظيم شأنها وأن في هذه الآية تفسيريه .
قول الشيخ ( ويزيده وضوحاً ما وردت به السنة من العجب العجاب في ذلك) اى ويزيده وضوحاً إضافة للآيات في تفسير هذا الأصل فإن السنة جاءت بأحاديث كثيرة تأمر بالاجتماع والنهى عن الفرقة أو الافتراق كما ورد عند البخاري عن ابن مسعود قوله صلى الله عليه و سلم(اقرءوا كما علمتم فإنما أهلك من كان قبلكم اختلافهم على أنبيائهم )19
ناهيك عن الأحاديث التي ذكرت أحوال من خرج عن الجماعة وكما جاء في قوله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللّهِ } ( الأنعام:159)
ثم عرج المؤلف على واقع الأمة فقال:
(ثم صار الأمر إلى أن الافتراق في أصول الدين وفروعه من العلم والفقه في الدين، وصار الأمر بالاجتماع في الدين لا يقوله إلا زنديق أو مجنون)
فالذين قالوا بأنه لا ينبغي الإنكار على من خالف الدين وتفرق فيه من أمثال المعتزلة والأشاعريه والخوارج ويقولون أن هذا – أي أن هذا الإنكار عليهم – مما يفرق الأمة ، فانظر إلى كيد الشيطان ومكره كيف أنه قلب الحقائق وغير الموازين فهذا الواقع قد عاشه الشيخ في زمنه . والدعوى لتعدد الأحزاب ووضع البرلمانات لها صور براقة يروجها من أضله الله على علم ويزينها بأن هذا تقدم ورقى ولكن الحق أن أمة الإسلام علت وارتفعت وانتصرت بالأسس التي وضعها النبي صلى الله عليه وسلم وما كان عليه أصحابه الكرام في الدعوى إلى الله وما كان عندهم دعاء الصالحين – والمقصود الاستشفاع بهم – ولا التفرق
الدعوى لتعدد الأحزاب والبرلمانات فيها مشابهه للكفار وبعداً عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم ولذلك لأن الأمة لم يرفع لها رأساً منذ أن ابتليت بهذين الأمرين.
----------- ( نهاية الشريط الثاني و بداية الشريط الثالث )------------
( الأصل الثالث: أن من تمام الاجتماع السمع والطاعة لمن تأمر علينا ولو كان عبداً حبشيّاً. فبين الله له هذا بياناً شائعاً كافياً بوجوه من أنواع البيان شرعاً وقدراً، ثم صار هذا الأصل لا يعرف عند أكثر من يدعي العلم فكيف العمل به)
الشرح:
الأصل الثالث: تمام الاجتماع والطاعة في كل من تأمر علينا
هذا الأصل متعلق بالأصل السابق ويفيد بأن الاجتماع لا يقوم إلا على أركان ومن أركان الاجتماع السمع والطاعة.
وأركان الاجتماع عموماً منها :
1) الاجتماع على الإسلام وهو الإسلام لله والانقياد له والبراءة من الشرك وأهله.
2) أن نفهم هذا الاجتماع كما فهمه الصحابة من القران والسنة.
3) أن يكون أهل هذا الدين له مكان يقيمون فيه شعائر هذا الدين ويدعون فيه لله
تعالى.
4) وجود إمام يرعى هذا الاجتماع ويحكم فيه بالعدل.
5) السمع والطاعة لهذا الإمام
فإن وجدت هذه الأمور الخمسة كان هذا الاجتماع صحيحاً مؤيداً من عند الله تعالى .
السمع والطاعة هو جوهر الرقى والتقدم في هذا الاجتماع لبلوغ الكمال ولهذا خص المؤلف هذا الركن بالذكر.
وهناك أحاديث كثيرة تجمع هذه الأصول الثلاثة المتقدمة في أصل واحد وفى سياقاً واحد ومنه قوله صلى الله عليه وسلم وقال صلى الله عليه و سلم : ( إن الله يرضي لكم ثلاثاً : أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم )) (20)
وكذلك حديث زيد ابن ثابت وقد ثبت فيه عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : (( ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئ مسلم : إخلاص العمل لله، ومناصحة ولاة الأمر ولزوم جماعة المسلمين )) (21) فبدأ بإخلاص العمل لله عز وجل ومناصحة ولى الأمر ولزوم الجماعة.
والسمع والطاعة لفظان شرعيان فالسمعُ هو أن يصغى المسلم للأوامر التي توجه إليه من ولى الأمر ومن لم يكن ذا سمع فالإشارة تكفى لوصول الأمر إليه ولا بد من متابعة السمع بالطاعة .
والسمع والطاعة جاءت حدودهما موضحة في نصوص الشرع وأخبارالنبى صلى الله عليه وسلم 22. بما يبين أن السمع والطاعة يكونان على المسلم في كل ما يحبه وما يكرهه واستثنى من السمع والطاعة الطاعة في المعصية لأن الطاعة تكون في حدود ما شرعه الله تعالى من الأوامر والنواهي والمباحات فالمسلم إن أُمرا بمحرم يمتنع عن السمع والطاعة في هذا الأمر فقط ولا يحق له أن يمتنع عن السمع والطاعة مطلقاً بسبب الأمر بهذا المحرم فيكون إمتناعه عن الطاعة في هذا الأمر فقط مع استئناف الطاعة في باقي الأمور .
وفى الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( عليك السمع والطاعة، في عسرك ويسرك، ومنشطك ومكرهك، وأثره عليك ) (23) قوله : ( منشطك ) مفعل من النشاط، أي : في حالة نشاطك. وكذلك قوله : ( ومكرهك ) أي : حالة كراهتك.
والمراد : في حالتي الرضي والسخط والعسر واليسر والخير والشرقاله ابن الأثير (24)
فبين أن السمع والطاعة يكونا في المنشط والمكره والمنشط أي في حالة النشط والحيوية والمكره أي ما يكره الإنسان والأثرة المذكورة في الحديث أي أن على المسلم السمع والطاعة حتى لو استأثر الأمراء وولاة الأمور بالأموال والدنيا دون هذا المسلم فعليه السمع والطاعة.
و قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( أسمعوا وأطيعوا، وأن أستعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة ))25
فأمر بالسمع و الطاعة حتى لو كان هذا المتآمر عبداً حبشياً وخصه بالذكر حتى يبين أن وجوب الطاعة لا يشترط فيه أن يكون المتآمر أعلى من المتآمر عليهم حتى ولو كان فيهم من هو أعلى منهم ، وإذا لم يسمع المسلمون لأميرهم فإنهم يشابهون بني إسرائيل الذي قص الله علينا مخالفتهم لأنبيائهم وأمرائهم كما في قوله تعالى {وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوَاْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (البقرة:247).

طرق الولاية :
و قد أقر بالإجماع عند أهل السنة والجماعة أن الولاية لها طريقين كما في حديث أنس بن مالك (الأئمة من قريش)26.
1) الطريق الأول : الاختياري وقد اتفق عليه الفقهاء وهو اجتماع المسلمون واختيارهم أميراً أي اجتماع أهل الحل والعقد27 كما اجتمع أهل الحل والعقد على اختيار أبى بكر وهذه الطريقة هي التي يشترط فيه الفقهاء الشروط المعروفة كما جاء في حديث ( الأئمة من قريش ) فقد أجمع المسلمون على صحة هذا العقد ويشترط فيه ما يشترطه الفقهاء في الإمام28.
2) الطريق الثاني : وهى خلافة العهد كما فعل أبى بكر مع عمر وقد اجمع المسملون على صحة هذا العقد فدل على صحته ويشترط فيه ما يشترطه الفقهاء في الإمام.
3) الطريق الثالث : إذا وقعت وحدثت وهى الطريقة الجبرية أو الغلبة فإن تغلب أحد المسلمين على بلد وأصبح أميراً بالجبر والغلبة وأستقر له الأمر فإن له ما للأئمة السابقين وهذا بالإجماع29 وهو للضرورة وقد حكاه الكثير من الفقهاء30 وهذا الإمام الذي وصل للإمامة بهذه الطريقة قد تتخلف فيه بعض الشروط ولكن يكون تقبل إمامته حفظاً لكلمة المسلمين وحقنا لدمائهم وتثبت له هذه الولاية.31
وقد اعتنى الشارع بهذا الأصل اعتناًءا هاماً وجاءت الشريعة بالنصوص الكثيرة المتضمنة لهذا الأصل سهلة وواضحة حتى لا يكون هناك حجة لأي أحد- يخرج عن هذا الأصل- عند الله تعالى .
والشارع قد بين هذا الأصل بنصوص الكتاب والسنة وظهر هذا الأصل أيضاً من جهة السنن الكونية والقدرية لله تعالى.
1- الطريقة الشرعية
أ‌) الأمر الصريح بالسمع والطاعة لولاة أمر المسلمين كما في قوله تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ } (النساء:59) فقد ذكر النووي أن المقصود بولي الأمر هم أمراء الإسلام بالاتفاق واستدل الطبري بأدلة جيدة على هذا الأصل فليراجع في موضعه ، وقال بعض العلماء أنه يدخل في هذا اللفظ مع الأمراء أهل العلم وإن كان هذا اللفظ في الأمراء هو محل اتفاق.32
ب‌) أمره صلى الله عليه وسلم بالسمع والطاعة لولاة المسلمين حتى ولو جارو وهذا ليس فيه ذل وهوان ولكن الحكمة التي يرعاها الشارع في هذا الموقف هي الحفظ على وحدة المسلمين ووحدة قوتهم وكلمتهم وكما جاء عن ابن عباس (ما تكرهون في الجماعة خيراً مما تحبون في الفرقة) وكما جاء في الصحيحين ( من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر فإن من خرج عن الجماعة مات ميتةً الجاهلية ) وقد جاء الأمر بالصبر والطاعة لولى الأمر حتى وإن وقع الظلم عليه كما في حديث حذيفة ( تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك) وهو في الصحيحين وحديث (عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم يَقُولُ: خِيَارُكُمْ أَئِمَّتُكُمُ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ، وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ، وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ، وَشِرَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ، وَيُبْغِضُونَكُمْ، وَتَلْعَنُونَهُمْ، وَيَلْعَنُونَكُمْ، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَلا نُنَابِذُهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: لا، مَا أَقَامُوا فِيكُمُ الصَّلاةَ، مَرَّتَيْنِ، إِلا مَنْ وَلِيَ عَلَيْهِ وَالٍ فَرَآهُ يَأْتِي شَيْئًا مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَلْيُنْكِرْ مَا يَأْتِي مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ، وَلا يَنْزِعَنَّ يَدًا مِنْ طاعة).33
ت‌) التحذير من أن يموت المسلم وليس في عنقه بيعه لحديث ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم يَقُولُ: مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ لَقِيَ اللَّهَ لا حُجَّةَ لَهُ، وَمَنْ مَاتَ لَيْسَ فِي رَقَبَتِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مَوْتَةً جَاهِلِيَّةً)34
ث‌) د) التحذير الشديد بشأن الخروج عن الأمراء أو عصيان أمرهم وهذه كثيراً جداً فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن من خرج عن الجماعة وكما جاء في حديث أبى موسى الاشعرى ( من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه )35 أخرجه الإمام أحمد باسناد جيد والرفقة هي ما يجعل في عنق الدابة من حبل أو نحوه كالدابة التي يحفظها هذا الحبل من الضياع فتموت عطشاً وأجوعاً أو يأكلها الذئب.
هـ) من خرج عن الجماعة لا يسأل عنه كما جاء في الأدب المفرد ( ثلاثة لا يسأل عنهم ومنهم رجلاً فارق الجماعة وعصى إمامه ومات عاصياً )36 وقوله لا يسأل عنه أي كونه غير ذي بالً عند أهل الإسلام فلا ينظرون إليه لعظيم جرمه.
و) من فارق الجماعة فإنه يموت ميتة الجاهلية فمما يحل به دمُ المسلم تركه لدينه وفراقه للجماعة كما في حديث ابن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه و سلم ( لا يحل دم امرئً مسلم يشهد أن لا اله إلا الله و أنى رسول الله إلا بإحدى ثلاث و ذكر فيهم المفارق للجماعة ) 37 وكما في الحديث عند مسلم( فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة و هم جميع ، فاضربوا رأسه بالسيف كائنا من كان)38 ( من خرج عن الطاعة وفارق الجماعة ومات، فميتته ميتة جاهلية )(39) فمن فارق الجماعة فإنه يسعى مع الشيطان.40
2- الجانب القدري الكوني
فإن الشارع الحكيم لفت أنظار المسلمين على الواقع الذي يشاهده الناس ويدركونه محسوساً وهو أن كل مجتمع يتم الخروج فيه على أهل الإمارة ووالى الأمر فإنه تحل به من النكبات مالا يخفى على أحد من الناس فالخروج عن الحاكم فيه الكثير من المصائب من قتل الأنفس وهتك الأعراض واستباحة الأموال41 وغير هذا وهذا لمن تأمل التاريخ الماضي والحالي فإن سيراه من سنن الله الكونية.42
قول الشيخ ( ثم صار هذا الأصل ..........)
هذا هو الربط بين الواقع الشرعي و بين حال المسلمين، وهو أنه على الرغم من وضوح هذا الأصل إلا أن هناك ممن يدعى العلم لا معرفة له به فهو إن كان يجهله فإنه لا يعمل به لأن فاقد الشئ لا يعطيه .
هذا الأصل كان مندثرا في زمن المؤلف فحاولوا التغلب على وجود الولاية التي تعود بالنفع على باقي المسلمين ولا ينبع هذا التصرف سوى من أهل الجهل والانحطاط والفوضى مما لا يرضى به العقلاء.
فلما اجتمع المسلمون على أمرائهم حفظت وظهرت الكثير من أمور الإسلام فالاجتماع على ولى الأمر يفرح به كل مسلم وإن لم يكن اجتماع كامل.
ومن كان في قلبه غل على اجتماع المسلمين فإن الغل لا يجسم على قلبه مع وجود هذه الأصول الثلاثة لأنها تنظف القلب وتطهره.
حال المسلمين اليوم
قال:ع الذي يعيشه المسلمون اليوم من رمى بعض الناس لتجمعات المسلمين وتهويل أخطائهم هذا أمراً مؤلم فإن الذين يريدون إصلاح الناس فعليهم التزام السنة فلا يليق بالداعي أن يصعد المنبر ليهيج المسلمون على أمرائهم وعلى مجتمعاتهم على زعمهم أن هذا التشهير بولاة الأمور هو من تمام النصح فنقول لهم هذا كذب فإن النصح المذكور في الحديث بقوله صلى الله عليه و سلم الدين النصيحة)، قالوا : لمن ؟ قال لله، ولرسوله، ولكتابه ولأئمته المسلمين، وعامتهم ). فإن النصح في حق الله يكون بتوحيده وللرسول صلى الله عليه و سلم بإتباعه ولولاة الأمور بتقديم النصيحة لهم بأحسن الأساليب مع الحب لإصلاحهم والنصح لعامة المسلمين يكون بمحبة التزامهم بالكتاب والسنة.
فالنصح قد جعل لهم الإسلام شكلاً خاصاً في حق ولاة الأمور لأن ولى الأمر له أمورا ًمهمة وأحكام مناسبة فلا ينصح على الملأ كما جاء في مسند الأمام أحمد : (من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يبديها علانيةً ولكن ليأخذ بيده فيخلوا به، فإن قبل ذاك وإلا كان أدى الذي عليه ) صححه الألباني 43وأصله في مسلم.
وقد قال معاوية لمسور بن مخرمه كما في مصنف عبد الرزاق ( يا مسور أتذكرون السيئات وتنسون ما لي من الحسنات ....... ) .
فالواجب على كل مسلم أن يراعى هذا الأصل ويهتم به وأن يطرح مصلحته الشخصية في مقابل مصلحة المسلمين.



------------ نهاية الشريط الثالث و بداية الشريط الرابع ----------

(الأصل الرابع: بيان العلم والعلماء والفقه والفقهاء، وبيان من تشبه بهم وليس منهم وقد بين الله تعالى هذا الأصل في أول سورة البقرة من قوله: (يَا بَنِي إِسْرائيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُم((44) إلى قوله قبل ذكر إبراهيم عليه السلام: ( يَا بَنِي إِسْرائيل((45) ويزيده وضوحاً ما صرحت به السنة في هذا من الكلام الكثير البين الواضح للعامي البليد، ثم صار هذا أغرب الأشياء، وصار العلم والفقه هو البدع والضلالات، وخيار ما عندهم لبس الحق بالباطل وصار العلم الذي فرضه الله تعالى على الخلق ومدحه لا يتفوه به إلا زنديق أو مجنون، وصار من أنكره وعاداه وصنف في التحذير منه والنهي عنه هو الفقيه العالم.
الشرح:
الأصل الرابع :بيان العلم والعلماء والفقه والفقهاء :
جاء المؤلف بهذا الأصل لأنه من أهم الأمور التي تقوم عليها حياة المسلمين في مجال العلم والدعوة إلى الله.
و الأمة إنما تتلقى أحكام الشريعة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم من أهل العلم والعلماء ولما كان العلم مشتركا ففيه النافع وفيه الضار، وكذلك كان العلماء فأراد المؤلف أن يبين للمسلم هذا الأصل ليتعرف على علماء الحق من غيرهم.
والعلم الذي يقصده المؤلف هو معرفة الله ومعرفة رسوله صلى الله عليه وسلم ومعرفة دين الإسلام بالأدلة فهذا هو العلم الممدوح وكل ما ورد من الفضائل للعلم فالمقصود به العلم الشرعي كما قيل:
العلم قال الله قال رسوله *** قال الصحابي ليس ُخلف فيه
ما العلم نصبك للخلاف سفاهةً *** بين الرسول وبين قوله سفيه
و معلوم أن الذي ورٌثه الرسول صلى الله عليه وسلم هو العلم بالله ورسوله وبالإسلام ومنه ُيعرف أن العلماء المزكين هم العلماء بالشريعة وبتفاصيلها من مصادرها الأصلية الكتاب والسنة وهم العلماء الذين جمعوا العلم والعمل ليس الذين توسعوا في التفصيلات وإنما الذين توسعوا في الشريعة وعلموا وعملوا بها فهم المقصودون بقوله تعالى { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء غَفُورٌ} (فاطر: 28) وكما قال ابن مسعود ( ليس العلم عن كثرة الرواية وإنما العلم العمل ) .
والفقه أخص من العلم ويراد به معرفة الأحكام التفصيلية كالوضوء والصلاة والزكاة وغير ذلك . والفقيه هو من عرف هذه التفصيلات وهذه الأحكام بشرط أن يأخذها من أدلتها التفصيلية وهى الكتاب والسنة والإجماع والقياس على الكتاب والسنة .
وهذا الأصل لا يقوم على بيان العلم والعلماء فحسب ولكن أتى به المؤلف لبيان الزائفون الذين يتشبهون بالعلماء وما هم من العلماء.
والعلم منه ما هو نافع وما هو باطل ولذلك جاء في الحديث عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( سلوا الله علما نافعا وتعوذوا بالله من علم لا ينفع) 46 , فدل على أن العلم قسمان علم نافع وهو علم الشريعة بضوابطه المتقدمة والقسم الآخر هو العلم الضار ومنه ما يكون ضاراً بذاته كعلم السحر كما في قوله تعالى { وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ } (البقرة : 102) وقد يكون العلم خيراً بذاته ولكن من يقوم به من أهل السوء يوظفه في غير مراد صاحب الشريعة.
فكل أهل الباطل لهم علما يُنسبون إليه كما قال تعالى {فَلَمَّا جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُون} (غافر:83) فأهل الباطل عندهم علم ولكنه علم سوء وعلم ضلال.
والمؤلف يريد أن يتكلم عن هذه القضية التي يظنها الناس لا تُفهم ولكن من تدبر الكتاب والسنة وجد فيهما بيان أهل العلم الذين يؤخذ عنهم العلم وبيان أهل الباطل الذين لا يؤخذ عنهم وكل هذا قد ذكره الله تعالى في سورة البقرة ابتداءاً من قوله تعالى {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ} (البقرة: 47 ) إلى قوله تعالى {وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ} (البقرة : 123) وهم يبلغون اثنين وثمانون أيه فهذه الآيات داله على علامات وأمارات أهل السوء وأهل العلم الباطل وإن كانت خاصة ببني إسرائيل ولكن القاعدة عن السلف كما ذكرت ابن عيينة " من ضل من علمائنا ففيه شبه من اليهود ومن ضل من عبادنا ففيه شبه من النصارى" وهذه الآيات فيها بعض المواطن التي فيها علامات أهل العلم الباطل.
ومنها : قوله تعالى { وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ} (البقرة : 41)
و قوله تعالى {وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} (البقرة : 42)
وقوله {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ}(البقرة:43).
فتوظيف اليهود وغيرهم كتاب الله لجناية الأموال بالباطل فيه شبه ممن يشيدون القبور و الأضرحة ليأخذوا أموال الناس بالباطل كالسدنة وغيرهم وكذلك علماء السوء الذين يضلون الناس بالباطل لأنهم يلبسون الحق بالباطل حتى يصدون متبوعيهم عن الحق وعلماء السوء ليس عندهم انقياد وإتباع لكلام الله تعالى ، كما أنهم يجادلون بالباطل كما جادلوا موسى عليه السلام في قصة البقرة واتخاذهم العجل.
وكذلك فإن علماء السوء أهل تحريف وأهل تبديل كما في قوله تعالى {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجْزاً مِّنَ السَّمَاء بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ} (البقرة:59) ولما دخلوا القرية أمرهم الله تعالى أن يقولوا حطة كما في قوله تعالى { وَقُولُواْ حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ} (البقرة : 58) أي أن الله حط عنهم خطاياهم فبدلوا ما أمروا به وقالوا حنطه فزادوا النون وكذلك كل من شابههم من العلماء الذين بدلوا كلام الله وحرفوه ولذا قال ابن القيم في نونيته :
أمر اليهود بأن يقولوا حطة *** فأبوا فقالوا حنطة لهوان
وكذلك الجهمى قيل له استوى *** فأبى وزاد اللام في نكران
نون اليهود ولام الجهمى هما *** في وحى رب العرش زائدتان
وكذلك علماء السوء وقعوا فيما وقع فيه اليهود والنصارى ولذلك جاء في أواخر الآيات قوله تعالى { وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ} (البقرة :120) ففي هذه الآية أخبر الله تعالى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم أنه إن اتبع أهواء أهل الكتاب فليس له من الله ولى ولا نصير بل يوكله إلى نفسه وكذلك حال علماء السوء فقد اتبعوا أهوائهم وأهواء من قبلهم من اليهود والنصارى فليس لهم من الله ولى ولا نصير وكذلك من بنوا القبور وشيدوها وشيدوا عليها المساجد.
فالأدلة قد جاءت من القران والسنة لبيان علماء الخير وعلماء السوء ومن السنة ما جاء في حديث أبى موسى الأشعري قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم « مَثَلُ مَا بَعَثَنِي اللّهُ بِهِ مِنَ الْهُدَىَ وَالْعِلْمِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَصَابَ أَرْضاً، فَكَانَتْ مِنْهَا طَائِفَةٌ طَيِّبَةٌ، قَبِلَتِ الْمَاءَ فَأَنْبَتَتِ الْكَلأَ وَالْعُشْبَ الْكَثِيرَ. وَكَانَ مِنْهَا أَجَادِبُ أَمْسَكَتِ الْمَاءَ، فَنَفَعَ اللّهُ بِهَا النّاسَ. فَشَرِبُوا مِنْهَا وَسَقَوْا وَزَرَعَوْا. وَأَصَابَ طَائِفَةً مِنْهَا أُخْرَىَ، إِنّمَا هِيَ قِيعَانٌ لاَ تُمْسِكُ مَاءً وَلاَ تُنْبِتُ كَلأً، فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقُهَ فِي دِينِ اللّهِ, وَنَفَعَهُ مَا بَعَثَنِيَ اللّهُ بِهِ, فَعَلِمَ وَعَلّمَ. وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأْساً. وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللّهِ الّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ» ففي هذا الحديث العظيم تشبيهان بليغان:
التشبيه الأول : تشبيه العلم والهدى الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم بالغيث ، أي بالمطر حيث أن كُلاِّ منهما تحصل به الحياة وتنشأ عنه المنافع :
* فالماء تحصل به حياة الأرض كما قال جل وعلا عن الغيث { وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ}(فاطر9) وقال تعالى {وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاء مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} (البقرة164)
*كما أن العلم والهدى تحصل به حياة الروح كما قال الله عز وجل(أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا((الأنعام:122)، وقال تعالى(اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ((الأنفال:24). فهذا هو التشبيه الأول.
التشبيه الثاني: تشبيه القلوب بالأراضي؛ بجامع أن كُلاًّ منهما محل للتَّقَبُّل: فالأرض ينزل عليها المطر، كما أن القلوب يقع عليها العلم، فهذا محل للعلم، وهذا محل للماء.
ثم قسَّم النبي صلى الله عليه و سلم الناس إلى ثلاثة أقسام بحسب قبولهم واستعدادهم لحفظ وفهم العلم الذي أرسل به النبي صلى الله عليه و سلم:
فالقسم الأول:من جمع بين الفضيلتين؛ بين الحفظ للشريعة الإسلامية والفهم فيها، فهو يحفظ نصوصها و يحفظ القرآن والسنة، وهو في الوقت نفسه يفهم مراد الشارع من هذه النصوص، فيُوفَّق لموافقة الصواب، وهذا القسم هو الذي أشار إليه الحديث بقوله(فَكَانَتْ مِنْهَا طَائِفَةٌ طَيِّبَةٌ، قَبِلَتِ الْمَاءَ)، وقوله (قَبِلَتِ الْمَاءَ) هذا كناية عن الحفظ، (فَأَنْبَتَتِ الْكَلأَ وَالْعُشْبَ الْكَثِيرَ) وهذا كناية عن الفهم، وعن النفع فهو منتفع في نفسه نافع غيره.
القسم الثاني: من حصل على فضيلة من الفضيلتين، وهي الحفظ فقط، رزقه الله تعالى حافظة قوية، فحفظ القرآن والسنة، لكن لم يؤتَ فهما لمعانيها، ولاستنباط الأحكام منها، وهذا القسم هو الذي أشار إليه الحديث في قوله (وَكَانَ مِنْهَا أَجَادِبُ أَمْسَكَتِ الْمَاءَ، فَنَفَعَ اللّهُ بِهَا النّاسَ).
فهذان القسمان هُمُ السعداء، وهم أرفع درجة وأعلى قدْرا، و {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} (الجمعة:4) فلهم الفضل الكبير على الناس بما حفظوا عليهم من دينهم، وبما استنبطوا من الأحكام الشرعية ما يحتاج إليه الناس في دينهم ودنياهم، فكانوا كما قال الشاعر:
متى يمت عالم منها يمت طرف
وإنْ أبى عاد في أكنافها التَّلف

الأرض تحيا إذا ما عاش عالمها
كالأرض تحيا إذا ما الغيث حلّ بها
يقول الإمام أحمد رحمه الله تعالى: الناس محتاجون إلى العلم أكثر من حاجتهم إلى الطعام والشراب؛ لأن الطعام والشراب يُحتاج إليه في اليوم مرة أو مرتين، والعلم يُحتاج إليه بعدد الأنفاس.
القسم الثالث: من حُرم الفضيلتين؛ فلم يُعط حفظا ولم يُعط أيضا فهما، فهُم بمنزلة الأرض التي هي قيعان لا تنبت ولا تمسك الماء، وهؤلاء هم الأشقياء الذين رضعوا ثُدِيَّ الجهل، ورضوا به، فهو وصف الذين لا يوصفون بسواه، حتى ولو تتوجوا بالزَّبَرْجَدِ ولبسوا أنعم اللباس، وركبوا أهنئ المراكب.
هذه هي الأقسام التي ذكرها الحديث، ثم بعد ذلك بيَّن أحكامها.
فأما القسمان الأول والثاني فالإشارة إلى حُكمهما في قوله (فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقُهَ فِي دِينِ اللّهِ, وَنَفَعَهُ مَا بَعَثَنِيَ اللّهُ بِهِ, فَعَلِمَ وَعَلّمَ) أي علم في نفسه أولا، ثم أبدى علمه إلى الناس فانتفعوا به في تبيين الحلال من الحرام.
أما القسم الثالث فالإشارة إلى حكمة في قوله (وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأْساً وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللّهِ الّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ)، فظهر بهذا التشبيه في هذا الحديث فضل العلماء ومكانتهم وعموم نفعهم.
فعلماء الآخرة وعلماء الحق من صفاتهم العمل الدؤوب في طاعة الله تعالى كما قال أبو عبد الرحمن السلمي ( حدثنا الذين كانوا يقرئوننا القران كعثمان بن عفان، و عبد الله بن مسعود و غيرهما : أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي صلى الله عليه و سلم عشر آيات لم يجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من العلم و العمل قالوا : فتعلمنا القرآن و العلم و العمل جميعا)47 فالعمل عند علماء الخير هو العلم الذي يورث الطاعة ويوصل إليه ولذا فأنهم كانوا يحصلون العلم للعمل به لا للتشدق بالقيل والقال ولذلك كان علماء السلف أقل الناس كلاماً ولكن من جاء بعدهم كثر كلامه وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال " كيف بكم إذا لبستكم فتنة يربو فيها الصغير ويهرم فيها الكبير وتتخذ سنة فإن غيرت يوما قيل هذا منكر قيل ومتى ذلك ؟ قال إذا قلت أمناؤكم وكثرت أمراؤكم وقلت فقهاؤكم وكثرت قراؤكم وتفقه لغير الدين والتمست الدنيا بعمل الآخرة ) رواه عبد الرزاق في كتابه موقوفا48 .
و السلف كانوا يتورعون عن الفتوى وعلماء السوء يعلمون و لكن لا يعملون كما جاء في الآية {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ } (التوبة : 31 ) فقد جاء في الحديث أن عدي بن حاتم لما سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ هذه الآية قال : يا رسول الله إنهم لم يعبدوهم فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : بلى إنهم حرموا عليهم الحلال وأحلوا لهم الحرام فاتبعوهم فذلك عبادتهم إياهم)49
وعلماء الحق(50 يتبعون المحكم وعلماء السوء يتبعون المتشابه ويتمسكون بحجج واهية ليهدموا بها أصول الدين و هم الذين يصدق فيهم قوله تعالى { فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ } (آل عمران : 7)
و كما هو معلوم عن الخوارج فهم على شدة اجتهادهم في الطاعة كان وصفهم الذي عرفهم به السلف أنهم كانوا يتبعون المتشابه والنصوص في كذلك كثيرة.
قوله ( ثم صار هذا أغرب الأشياء )
اللبس بين علماء الحق وعلماء السوء وانقلاب الموازين حدث حينما أصبح علماء السوء هم أهل الصدارة و أصبح أهل الحق هم الذين يحاربون وتكمم أفواههم وكان هذا من كيد الشيطان أن أظهر للناس أن العلم الذي هو معرفة الله ورسوله هو البدعة والضلالة فأصبح الناس لا يرجعون إلى كتاب الله ورسوله ولكن يرجعون إلى كتب أهل الضلال ككتب الكثير من غلاة الصوفية ممن أضلهم الله على علم فيوحون إلى متبعيهم أن الخرافات والشركيات والبدع هي الحق .
وأهل الباطل يشيعون بين اتباعهم أن علم الكتاب والسنة لا يتكلم به إلا زنديق ومما قاله بعض أهل الباطل في هذا الأمر ( الأخذ بظواهر الكتاب والسنة كفراً وضلال) فأنظر هداك الله لهذا الضلال المبين والابتعاد عن نبع الدين الصافي أفلم يقول الله تعالى{اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ} (الأعراف: 3) وقال تعالى { وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ}(النــور:54) فكيف أصبح إتباع الرسول صلى الله عليه وسلم والمناداة بإتباعه من الأمور المرفوضة وأصبح الناس يقرءون كتاب الله تعالى للبركة لا للعمل به و تدبره وأوحى لهم الشيطان أن أخذ العلم من كتاب الله و سنة نبيه صلى الله عليه وسلم لا يكون إلا لمجتهد ووضح لهم من شروط هذا المجتهد ما لا تتحقق هذه الشروط على أي مجتهد من أهل الأرض ، فالمؤلف شرح واقع الناس في زمنه وهو واقع مر أليم .
قوله ( وصار من أنكره وعاداه) أي انكر هذا الباطل وصنف التحذير منه وهذه القضية لم يدعها الرسول صلى الله عليه وسلم بل بينها لنا ووضحها لنا واخبرنا فثبت عن - رسول الله صلى الله عليه وسلم- كما في الطبراني وغيره من حديث أمية الجمخي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن من أشراط الساعة أن يلتمس العلم عند الأصاغر)51، والاصاغر هنا كما قال العلماء52 هم أهل البدع والأهواء وقال ابن قتيبة " الاصاغر هم صغار السن الذين ليس معهم علم يؤهلهم للتصدر للحديث في شرع الله"53 وكلا القولين صواب ولذا صح عن ابن مسعود عند عبد البر وغيره قوله " لايزال الناس في حيرٍ ماأخذوا العلم عن أكابرهم وعلماءهم ، فإذا أحذوه من صغارهم وعن صغارهم هلكوا".54 وهذا القيد من السلف يوضح من ُيؤخذ عنه ممن لا يؤخذ عنه والأكابر هم الذين تعلموا دين الله تعالى وعملوا به فهم العدول الذين يحملون العلم كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغاليين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين) رواه البيهقي55 .
فبأخذ العلم عن هؤلاء العلماء ينتشر الخير وتستقر أحوال الأمة وتكون لها القوة كما كان في الصدر الأول ، والهلاك المذكور في قول ابن مسعود هو الهلاك العظيم في الدنيا والآخرة وهذا الذي حذر الله منه اليهود فلم يستجيبوا فهلكوا لأن الله تعالى قال لهم { قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيرًا وَضَلُّواْ عَن سَوَاء السَّبِيلِ} (المائدة : 77) فالله تعالى نهى الأمم السابقة عن الأخذ من الفساق والضلال وحذرهم من سلوك هذا الطريق ولكن اليهود كانوا يأخذون عن الأحبار والرهبان فكانوا في حقيقة أمرهم يصدون عن سبيل الله ولذا قال الله تعالى فيهم
{ لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ } (النحل: 25 ) وقوله بغير علم فيها معنيان إما أنه عندهم علم ولكنهم يخفونه لأهوائهم ، وإما أنهم ليس عندهم علم أصلاً فليس هناك أضر على الأمة من علماء السوء ولذا فهم أول من يفصل بينهم يوم القيامة كما في الحديث عن أبي هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه - ثم قال - ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن فأتي به فعرفه نعمه فعرفها قال فما عملت فيها قال تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن قال كذبت ولكنك تعلمت ليقال عالم وقرأت القرآن ليقال هو قارئ فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار) رواه مسلم
والأمة لا تصاب بشر مثل إصابتها بوجود علماء السوء فإنهم يلبسون لباس أهل الحق ويُلبسون على الناس دينهم.
وفى بيان خطورة الأخذ عن علماء السوء ذكر الراغب الأصفهاني في كتابه " الذريعة إلى مكارم الشريعة " : (لا شئ أوجب على السلطان من رعاية أحوال المتصدرين للرئاسة بالعلم فبإلاخلال بها ينتشر الشر ويكثر الأشرار ويقع بين الناس التباغض والتناطح) فكلام الراغب يتفق مع كلام الشيخ فواجب الأمة الحرص على تلقى هذا العلم من أهله المعتبرين كما قال ابن سيرين ( إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم ) رواه مسلم في مقدمة صحيحة.
فعلى المسلم أن يستبرأ لدينه فلا يهون عليه العلم إن أراد أن يعلم دينه وكما قال تعالى {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ * بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ .. } (النحل : 42-43)) فالجر والمجرور هنا متعلق بأهل الذكر أي فسئلوا أهل الذكر الذين يعلمون بالبينات والزبر فأمر الله بسؤال من عنده علم واضح .
ومن شروط العلماء المذكورة في أصول الفقه :
اشتهاره بالعلم والصلاح والعمل بالكتاب والسنة و تزكية العلماء الكبار له و غير ذلك مما ذكره الامدى وغيره .



( الأصل الخامس: بيان الله سبحانه لأولياء الله وتفريقه بينهم وبين المتشبهين بهم من أعداء الله والمنافقين والفجار. ويكفي في هذا آية في سورة آل عمران وهي قوله: ( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ( (56)، وآية في سورة المائدة وهي قوله: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ((57)، وآية في سورة يونس وهي قوله: ( أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ((58)، ثم صار الأمر عند أكثر من يدعي العلم وأنه من هُداة الخلق وحفاظ الشرع إلى أن أولياء الله لا بد فيهم من ترك اتباع الرسل ومن تبعهم فليس منهم ولابد من ترك الجهاد فمن جاهد فليس منهم ولابد من ترك الإيمان والتقوى فمن تعهد بالإيمان والتقوى فليس منهم. . يا ربنا نسألك العفو والعافية إنك سميع الدعاء.
الشرح:
الأصل الخامس : بيان أولياء الله عز وجل والفرق بينهم وبين أولياء الشيطان
عقد الشيخ هذا الأصل لأن أكثر ضلال الناس جاء من قبيل وضع بعض الصالحين أو المجتهدين في غير موضعهم ويدٌعون لهذا الولي حقوقاً و ربما عبدوه من دون الله تعالى فأراد المؤلف أن يبين هذا الأصل لأن أكثر تعلق الناس بالشرك إنما جاء من قيبل التعلق بالأولياء.
وقد بين الله هذه الأمور في كتابه ولم يقتصر الشارع على بيان صفات أولياء الله بل بين الفرق بينهم وبين أولياء الشيطان وهذا من قواعد الشرع أن يبين الشئ وضده .
وابتدأ المؤلف في بيان أولياء الرحمن بقوله تعالى( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ )( آل عمران:31)، ذكرها المؤلف هنا لبيان حقيقة أولياء الله تعالى فهذه الآية وإن كانت متعلقة بالمحبة و لكنه أتى بها للرد على ما فيها من تفسير بعض المتصوفة للمحبة بتفسيرات باطلة فيزعمون أن أولياء الله الذين هم على شاكلتهم في الضلال هم أحباء الله فذكر المؤلف هذه الآية لأن هذه الآية هي الحاكمة بين الحب الحقيقي ومدعى المحبة لأن هذه الآية نزلت في اليهود والنصارى الذين يدعون حب الله وهم لم يتبعوا شريعته فأنزل الله هذه الآية امتحاناً لهم وفيها مخاطبتهم بأن دعواهم للمحبة لابد من وجود برهان عليها وهذا هو البرهان ، فدل على أن محبة الله تعالى لخلقه مرتبطة بإتباع الرسول فهذا هو الشرط الأساسي الذي لا تكون المحبة إلا لمن جاء به ومن لم يأتي به لم تكن له أي محبة وإن ثبت ما ثبت له من المعجزات والخرافات.
يدعى أهل الباطل من غلاة الصوفية ويقررون أن الولي أعلى من الرسول وأن علم الوالي دون علم النبي كما قال أحدهم:
مقام الولي في برزخ فويق الرسول و دون النبي
وهذا البيت صدر عن ابن العربى وفيه أن الرسول دون الولي فأن يتحقق لهم شرط المحبة .
وقوله تعالى في سورة المائدة { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (المائدة :54) فهذه الآية شرحت أية المحبة السابقة وذكرت صفات من يحبهم الله تعالى أنهم هم الذين حققوا محبة الله في قلوبهم وظهرت في أعمالهم فعند تعاملهم مع إخوانهم المؤمنين ففي قلوبهم رقة وفيهم رحمة وشفقة وهذا أبرز من وصف الله به أصحاب الرسول وأيضاً ذكر من صفاتهم أنهم يجاهدون في سبيل الله ويبلغون دين الله فمن اجتمعت فيه هذه الصفات فهم المحبون لله تعالى على وجه الحقيقة أما الصوفية الذين يزعمون أن أوليائهم عن الله مباشرة وأن الأنبياء يأخذون من الله عن طريق الوحي .
وفى سورة يونس {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ} (يونس:62-63) فهذه الآية فاصلة في وصف أولياء الله59 . والله سبحانه وتعالى فسر كلمة الأولياء تفسيراً واضحاً ببيان يفهمه الناس جميعاً ففيها بيان أن أولياء الله تعالى لا يصيبهم خوف في الدنيا من إبلاغ رسالات الله و أحكامه و لا يصيبهم خوف عند الموت و لا يصيبهم حزن في الآخرة لان مآلهم للجنة ، الذين امنوا : جملة مستأنفة و هذا استئناف بياني و قد جاء في تفسير الطبري و تفسير ابن أبى حاتم و كأنه قيل من هم يا رب قال الذين آمنوا و كانوا يتقون .
فهذا هو تفسير الولي أنه من أمن و جمع الإيمان و التقوى والإيمان و التقوى من المعاني التي بينها الله تعالى بيانا واضحا كما جاء في حديث جبريل عليه السلام و فيه ( الإيمان أن تؤمن بالله و ملائكته و كتبه ) و من المعلوم أن المؤمنون يتفاوتون في الإيمان و كلما ازداد إيمان العبد كلما ازداد قربه من الله تعالى({إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} (الأنفال:2).
و التقوى بينها الله تعالى بيانا واضحا بقوله { ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ* الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} (البقرة : 2-3) فذكر الله تعالى صفات المتقين و المتقين متفاوتون أيضا في الدرجات و هذا واضح في كتاب الله تعالى و سنة رسوله صلى الله عليه و سلم كما في حديث أبى هريرة رضي الله ( أن الله تعالى قال من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلى مما افترضته عليه وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع بت وبصره الذي يبصر بت ويده التي يبطش بتا ورجله التي يمشي بتا وإن سألني لأعطينه وإن استعاذتي لأعيذ وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته)60 فهذا الحديث بإجماع المسلمين جميعا أن الله تعالى يوقف هذا الولي فلا يسمع إلا خيراو لا تمشى رجليه إلى إلى خير و لا يستعمل العبد جوارحه إلا في الخير و فيما يرضى الله تعالى و زيادة على هذه الفضائل فان هذا الولي يكون مستجاب الدعوة، فهؤلاء هم الأولياء.
هناك كلمة تقال من الضُلال تقال عند أكثر المسلمين قولهم " من تبعهم فليس منهم " اى من تبع الرسل من الأولياء فلا يكونوا في نظرهم اولياءه لذا سال المؤلف الله العافية من ذكر هذه الكلمة.
الصوفية يفرقون بين الرسل و بين النبي و يقولون أن الولي أن اتبع الرسول إنما يتبع العلم الظاهر الذي مع الرسول أما في الباطن فإنهم يتبعون العلم الذي يسمونه العلم اللدنى.
كتاب الطبقات للشعراني فيه الكثير من الخرافات للصوفية و فيه الكثير من الحجج الباطلة التي يفسرون بتا أفعالهم المنكرة.
فانظر كيف آلت الأهواء بأصحابها حتى أوردت المسلمين إلى هذا الحال و لذا على المسلم أن يدعوا الله دائما أن يثبته على دينه.
و الصوفية لم يقصروا أن الولي من ترك إتباع الرسول و اتبع الباطن بل زعموا ما هو أكبر من ذلك.
و الصوفية لهم مراحل مروا بها:
1- وجود القصاصين الذين ظهروا في العصر الأول و كان السلف ينكرون عليهم هذه القصص التي و أن كان فيها تذكير بالله تعالى و لكن لابد و أن تكون كما شرع الله تعالى و كما أمر بت رسول صلى الله عليه و سلم و كما صح عن سعيد بن المسيب أنه رأى رجلاً يصلى أكثر من ركعتين بعد الفجر فنهاه عن ذلك فقال الرجل أيعذبني الله على الصلاة قال بل يعذبك على المخالفة، وعن أبى عاصم أن معاوية جاء إلى مكة فأمر فأتى بت وقال له أنه لا يقص على الناس إلا أميراً أو مأموراً أو محتالاً و ما أظنك أميرا و لا مأمورا.
2- الغلو في الصالحين وتعظيم متبعيهم وقد كان قدماء العلماء ممن ينسبوا إلى التصوف كالفضل ابن معروف الكلخى وبشر الحافى ممن هم على الجادة الصحيحة في الزهد والتزهد قال العلماء فيهم أن تصوفهم كان صحيحاً لأنهم قالوا في كتبهم إن الزاهد لابد وأن يكون على منهج الرسول ولكن المبتدعة الصوفية لا يرضون بإتباع بهؤلاء وإنما يرضون بإتباع أمثال ابن عربي الذي زعم أن للأولياء خاتم كما أن للأنبياء خاتم.

الأصل السادس: رد الشبهة التي وضعها الشيطان في ترك القرآن والسنة وإتباع الآراء والأهواء المتفرقة المختلفة، وهي: أن القرآن والسنة لا يعرفهما إلا المجتهد المطلق، والمجتهد المطلق هو الموصوف بكذا و كذا أوصافاً لعلها لا توجد تامة في أبي بكر وعمر. فإن لم يكن الإنسان كذلك فليعرض عنهما فرضاً حتماً لا شك ولا إشكال فيه، ومن طلب الهدى منهما فهو إما زنديق وإما مجنون لأجل صعوبة فهمهما، فسبحان الله وبحمده كم بيّن الله سبحانه شرعاً وقدراً خلقاً وأمراً في ردّ هذه الشبهة الملعونة من وجوه شتى بلغت إلى حد الضروريات العامة ( وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ(، (لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ ( إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلالاً فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ ( وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ ( وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ ( إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ( آخره، والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
الشرح:
الأصل السادس: رد الشبهة التي وضعها الشيطان في ترك القرآن والسنة وإتباع والأهواء
هذا الأصل من أهم الأصول التي ينبغي على المسلم أن يعتني بتا وجعله المؤلف أخر هذه الأصول لأنه بسبب تغيير هذا الأصل حدث ما حدث للمسلمين من الإضلال و الردة كأنه أراد أن هذه الأصول الخمسة الأولى واضحة وجالية وأن الناس ما دفعهم لرد هذه الأصول الخمسة الأًولى والإضلال فيها إلا أنهم ضلوا في هذا الأصل .
هذا الأصل تحذيري ويريد المؤلف أن يحذر فيه من هذه الشبهة وذكر المؤلف ما يضادها وهو التزام القرأن والسنة وكأنه في هذا الأصل يطلب من المسلم التزام القران والسنة لأن الشيطان لا يستطيع أن يدعوا المسلمين على لسان أوليائه من شياطين الإنس والجن إلى ترك القران والسنة مباشرة فإنه لو فعل ذلك لن يطاع ولكنه جاء بمكره وكيده إلى شبهه وضعها بين الناس وجعل أوليائه ينموها وينشروها شيئاً فشيئاً حتى ُترك القران والسنة وقد جاء القران بالرد على هذه الشبهة ويبين الأصل فيها وفى هذا الأصل حذر من إتباع الشهوات والشبهات لأن إتباعهم ضد إتباع القران والسنة .
الشبهة:
هذه الشبهة هي أن الشيطان أوحى إليهم أن القران والسنة لا يعرفهم ولا يفهمهم إلا المجتهد المطلق وهذه عادة الشيطان دائماً فإنه لا يأتي للإنسان بالشر المحض ولكنه يأتي إليه بأمر فيه خير وشر فينفذ من خلاله فيضع السم في العسل.
الرد على الشبهة :
وكون فهم القران والسنة لا يقوم بت إلا مجتهد هذا قول غير صواب لأن الاستنباط لا يكون إلا في المسائل الحقيقة التي لا يعرفها إلا المجتهد كما في قوله تعالى {وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً} (النساء : 83) .
ومن شروط هذا المجتهد بذل الجهد ، آلية الاستنباط ، وجود القدرة العقلية على هذا الاستنباط و لكن هناك الكثير من الأمور في القران لا تحتاج إلى مجتهد لفهمها بل يفهمها كل عاقل مثال لذلك قوله تعالى {وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ} (لبقرة : 43) فهذا الأمر لا يحتاج لمجتهد ليفهم معناه.
مراحل أولياء الشيطان في نشر هذه الشبهة الباطلة
المرحلة الأولى: دعوة بعض المنتسبين للعلم بأنه لا يعرف القران والسنة إلا من كان مجتهداً.
المرحلة الثانية : قولهم أن هذا المجتهد له أوصاف ، ولعل هذه الأوصاف لا توجد إلا في أبى بكر وعمر حتى قال بعضهم أما الاجتهاد قد أغلق ، فمنعو الاجتهاد بهذه الشروط العسيرة وكان من شروط الاجتهاد عندهم أن يكون هذا المجتهد على علم بعلم الكلام وهذه الشروط باطلة .
والحق أن المجتهد المطلق هو الذي يستنبط الأحكام الشرعية من النصوص المباشرة كأبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل والثوري وغيرهم ولا يستبعد أن يوجد في المسلمين من يحتل هذه المرتبة وقد ذكر الصنعانى وقبله الوزير أن المجتهد له شروط منها :
1- أن يفهم اللغة العربية فهماً واسعاً
2- لابد له من معرفة أصول الفقه حتى يستطيع التعامل مع نصوص الكتاب والسنة
3- أن يعرف من علم البيان و علم المعاني ما يستطيع بت أن يتعامل مع الألفاظ و أن
كان الصحيح أن هذا الشرط ليس شرط
4- معرفة الأحاديث المبينة للأحكام و معرفة صحيحهامن ضعيفها
فان وجدت هذه الآلات في رجل قد وهبه الله قوة البصر و النظر فهذا هو المجتهد.
و قال الذهبي : ( من قرأ المغنى لابن قدامة و المحلا لابن حزم و السنن الكبرى للبيهقى و التمهيد لابن عبد البر و كان عنده شىء من الذكاء فقد أدرك العلم) .
و ربما يكون هناك مجتهد في مذهب من المذاهب و يأتي في باب من الأبواب ينزل الفقه فقط فباب الاجتهاد باب واسع و لكن لا يصله العبد إلا بعد بذل الجهد.
و في الحديث عن أبى هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر )61
و قال أجر: أي أجر المشقة في سبيل الوصول للحق و جعله من أسباب نيل الخير من الله تعالى.
من بركات دعوة الشيخ لهذا الأصل :
أنها فتحت باب الاجتهاد للأمة و كان في عصر الشيخ محمد بن عبد الوهاب الشيخ محمد حياة و كان من علماء الحديث في عصره و كذلك الأمير الصنعانى و كانوا يدعون إلى فتح باب الاجتهاد في هذا العصر و نحن لا نزال نتفيأ في ظلال هذا الخير .
و من المعلوم أن علماء المجامع الفقهية يتكئون على دعوة الشيخ في ترك التعصب و انتقاء الأحكام من النصوص.
قوله "يعرض عنهما" اى عن الكتاب و السنة فيتلقى الفقه من متون فقهية جامدة يتعصب لها و يعظمها كأنها كتاب الله .
" لا شك فيه " توكيدات من أهل الباطل.
- لو رجع الناس إلى الكتاب و السنة لفهموا قضية التوحيد بيسر و سهولة دون الحاجة إلى علم الكلام لو رجع الناس للقران و السنة لنبذوا قضية الفرقة و التفرق.
- الشيخ هنا ذكر لفظة مجنون و زنديق لأنها من الكلمات التي كانت توجه إليه و يتهم بتا هو و كل من كان من أهل السنة و الجماعة في أهل زمانه.
قوله تعالى {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} ( القمر:22) الحكم في هذه الآية يعم كل مؤمن و مؤمنة فلا تحتاج كل آيات القران و أحاديث السنة إلى المجتهد إلا في أضيق الأمور.
( سبحان الله و بحمده ) فيه تنزيه الله تعالى عن أفعال المجرمين الذين حرفوا الدين مما يفعله المبتدعة كما جاء في الحديث عن عياض بن حمار المجاشعي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم في خطبته ألا إن ربي أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مما علمني يومي هذا كل مال نحلته عبدا حلال وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم وإنه أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل بت سلطانا)62 .
الشبهة الملعونة : لم ينفرد الشيخ رحمه الله تعالى بهذه اللفظة و لكن كثير من علماء المسلمين يعبروا بتا في أحلك المواقف التي يوجد فيها تهديدا أو قضاءا على الإسلام و قد عبر بت ابن القيم في نونيته و ابن تيمية في كتابه درء تعارض العقل و النقل و هذه الشبهة مطرودة من رحمة الله و من حملها مطرود أيضا من رحمة الله .
هذه الشبهة الرد عليه من وجوه شتى:
1. الأمر بقيام الناس في أمور دينهم على طاعة الله و رسوله كما في قوله تعالى {وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ} (الأنعام:116)
2. أمر الله تعالى لنا بتدبر كتابه : {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} (ص: 29 ) فلا يعقل أن الله تعالى أنزل هذا الكتاب للبركة و لأجل الحفظ فقط و لكن إنما أُنزل للتدبر و التدبر يكون لكل واحد بحسبه فالعالم تدبره غير العامي .
ابن مسعود أن سمعت قول الله يأيها الذين أمنوا فأعرها سمعك ) فالمقصود من الكتاب هو أخذ الهدى
2- أمر الله تعالى بالاعتصام بهذا الكتاب و التمسك بت ومنه قوله تعالى {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } (آل عمران :103) جعل حبل الله في أصح الأقوال هو القران والسنة و كما في الحديث إني قد تركت فيكم ما إن اعتصمتم بت فلن تضلوا أبدا كتاب الله وسنة نبيه )63الحديث رواه الحاكم .
فهل ُنأمر بالاعتصام ويكون هناك أجراً على هذا الاعتصام ثم لا نعتصم بت ونأخذ العلم من غيرهم.
3- الأمر الصريح بالطاعة " {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا } (النــور :54)
فأين إتباع هذه الأمور عند من يقولون بعدم الأخذ من القران والسنة والأخذ من أقوال الناس. لذا يجب علينا أن نستعرض هذه الأصول في أذهاننا ونحن نقرأ القران وسنجد كل أصل له مئات الآيات القرائنيه فيه .
ختم المؤلف بالآيات وأراد أن يشير فيها لأمر حق وهو أن الداعي إلى السنة مهما اجتهد في الدعوى فإن توفيق المدعوين هو من عند الله.64
اى أراد أن يقول : هذا العلم إنما ينفع الله بت من أراد هدايته و أما من أراد الله شقاوته فلا تشغل نفسك بت .
أية العالم كما قال تعالى{أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} (فاطر:8) فان لم يرد الله هدايتهم فلن تدركهم الهداية ثم يخاطب الله الرسول صلى الله عليه و سلم فيقول له ما عليك إلا البيان و توصيل الهدى للناس و من أرد الضلال فلا تشتغل بت و لكن اشتغل بمن أراد الهدى65.
حق القول : سبق القضاء على أكثر من تخاطبهم يا محمد فمهما تتلوا عليهم من الآيات و الحجج للبراهين لن تؤمنوا و يكفى مثالا قصة وفاة أبى طالب لما عرض عليه النبي الإسلام عند احتضاره.
قوله تعالى {إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلاَلاً فَهِيَ إِلَى الأَذْقَانِ فَهُم مُّقْمَحُونَ} (يــس :8) فيه تصوير للذين لا يقبلون هدى الله تعالى الذي جاء بت الرسول من الهدى ففيه أن الله تعالى قبضهم عن الإيمان حتى لا يكرمهم كحال من قيدت يديه مع عنقه و المقمع هو الرافع الرأس شأنهم في هذا شأن كل من كبل و صفد بأمر الله تعالى انه لا يهتدي فهم رؤوسهم مرتفعة فلا يبصرون الحق.
قوله تعالى {وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ}
( يــس:9) الزيادة إضلالهم و إغوائهم حتى لا يهتدون فالله تعالى جعل من بين أيديهم سدا عن الحق فلا يبصرون و لا تتصور أعينهم الهدى و النور و إلا فإنهم يبصرون الأشياء.
سواء عليهم: هذا بيان الأمر الكوني و القدري لأنه سبق عليهم القضاء، و الأمر الشرعي هو الأمر بدعوتهم و إنذارهم بما أوجب الله عليهم.
و الأمر الكوني لا يستدل بت على إثبات الأحكام الشرعية إنما هو للعظة و الإخبار و الأحكام الشرعية إنما تبنى على الأمر الشرعي.
النذارة إنما تنفع من وفقه الله تعالى للإسلام و سبق عليه القضاء بأنه من أهل الجنة .
أجر كريم: هذا هم الذين يستفيدون من دعوة الرسل.
باب القضاء و القدر: الإنسان لا يعلم أن كان من أهل الجنة أم من أهل النار و الإنسان مطالب بالسعي لطريق الخير.
كلمة عن المتون الفقهية الموضوعة على المذاهب الفقهية 66
هذه المتون إنما قيدت لتعليم المبتدئين صغار العلم قبل كباره و هذه المتون لا يأتي بتا المؤلفون من الكتاب و السنة.
ابن قدامة ألف العمدة و جعل في كل باب حديث يبنى عليه كثير من المسائل حتى يعلم الصغير كيفية الدليل و بناء المسائل عليه و هكذا فعل الشيخ البهليى و هو من المعاصرين فقد وضح حاشية السلسبيل في معرفة الدليل على زاد المستقنع. وقد أورد لكل جملة من هذا المتن دليل من الكتاب و السنة و الإجماع و القياس و مثله كتاب الشيخ صالح الفوزان الملخص الفقهي ففيه من الأدلة الشرعية ما يطمئن بت الطالب بأن الحكم المذكور قد قام على دليل، فهذا هو مقصود العلماء من وضع المتون.
و لكن لما نشأ الجهل زين الشيطان لمتبعي المتون ألا يخرجوا عنها بحذافيرها و هذا جناية على السنة بل و على مؤلف المتن نفسه لأنهم لم يريدوا ذلك إنما أرادو أن يذكروا المسألة و الرأي فيها .

و الناس لهم مع المتون ثلاث أحوال:
1- من عظم المتون بحيث لا يخرج عنها حتى و أن لم يصح أو يعرف مستند أو دليل لهذا الحكم
2- من أعتبر هذه المتون ضلال و منافية للسلف
3- و هم الوسط الذين علموا أن المتون إنما وضعها أهل العلم لتكون كمفاتيح للمسائل و عليه أن يقرئها على عالم ليشرح له دليل كل مسألة ، و أن راعى الشيخ تحرى الصواب فهذا أفضل .
و قد وضع ابن قدامة كتبه الفقهية على النحو التالي :
1- العمدة ووضع فيه الرأي الراجح في المسالة
2- المقنع و ذكر فيه الروايتين عن أحمد
3- الكافي و ذكر فيه أكثر من روايتين ودلائلهم و الرد عليهم
4- المغنى: الآراء و الترجيح فيها و الأدلة.
و من المعلوم أن التعصب للمذاهب من الأمور التي ترجع بالأمة للوراء و هناك كلمة قاسية جدا للمتعصبين للمذاهب قولهم " اى أية من الكتاب تخالف ما عليه الأصحاب فهي مؤولة أو منسوخة.
و قد شرح الله تعالى دليل التنازع بما لا يحتاج إلى تفسيره أحد في قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ }67 (النساء : 59)
و قال أحمد بن حنبل: " عجبت لناس يعرفون الإسناد و صحته و يذهبون لقول الثوري".
و لكن طالب العلم أن جاء برأي ليس له فيه إمام فهذا بيان على ضلاله و يكون قد خرق الإجماع و يصح فيه قوله تعالى { وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا} (النساء:115)
أن أرد الطالب أن يرجح بين الأقوال فلابد أن يكون جديرا بهذه الدرجة و من استطاع أن يعرف الحق بنفسه فالتقليد ممنوع في حقه.
المسائل الفقهية على ثلاث أنواع :
1- مسائل مجمع عليها فلا يجوز لأحد أن يخالف فيها و أن خالف فهو ضال
2- مسائل اجتهادية: و هي المسائل التي في أدلتها مفاهيم متعددة فيفهم كل عالم من الدليل ما ربما يخالف العالم الأخر و الحق أن الإنكار فيه غير صحيح
3- المسائل الخلافية : و هو ما فيه خلاف بين الضعيف لبنائه على حديث ضعيف أو فهم فاسد فيجب إلا تتبع كمن أباحوا الربا فينكر القول الضعيف فيها و لكن فيها التناصح و بيان الدليل .

وبهذا يكون قد تم شرح الأصول الستة
والحمد لله رب العالمين


الهوامش:
( 1 كما جاء فى قول صاحب الطحاوية :
يهدى من يشاء ويعصم ويعافى فضلاً ، ويضل من يشاء ويخذل ويبتلى عدلاً.
(2 و هذا لأن ليس كل من تبلغه الهداية ينتفع بها كما فى قوله تعالى :{إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء}(القصص:56) ، فهذه هى هداية التوفيق التى بيد الله وحده نسأله تعالى ان يهدينا بهدايته وهو خير من سئل و أكرم من دعى.
3 كما فى قوله تعالى{وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا} (الأحزاب:56)
4 قال ابن القيم فى كتابه " أسرار الصلاة " ( ثم ليتأمل العبد ضرورته و فاقته إلى قوله { اهدنا الصِّراط المُستقيم } الذي مضمونه معرفة الحق ، و قصده و إرادته و العمل به ، و الثبات عليه ، و الدعوة إليه ، و الصبر على أذى المدعو إليه فباستكمال هذه المراتب الخمس يستكمل العبد الهداية و ما نقص منها نقص من هدايته) أنتهى كلامه رحمه الله تعالى.
5 ( صحيح) حديث رقم ( 2446) صحيح الترمذى
6 ذكر ابن رجب فى" كشف الكربة " : قال الأوزاعي في قوله صلى الله عليه وسلم : (بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ ) : أما إنه ما يذهب الإسلام ولكن يذهب أهل السنة حتى ما يبقى في البلد منهم إلا رجل واحد .
7 قال شيخنا الالبانى -رحمه الله تعالى- " فالمؤمن لا يستوحش من قلة السالكين على طريق الهدى ولا يضره كثرة المخالفين . قال الإمام الشاطبي في " الاعتصام " 01/11 - 12 ) : " وهذه سنة الله في الخلق : أن أهل الحق في جنب أهل الباطل قليل لقوله تعالى : ( وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين ) سورة يوسف الآية 103) وقوله : ( وقليل من عبادي الشكور ) سورة سبأ الآية 13 ولينجز الله ما وعد به نبيه صلى الله عليه وسلم من عود وصف الغربة إليه فإن الغربة لا تكون إلا مع فقد الأهل أو قلتهم وذلك حين يصير المعروف منكرا والمنكر معروفا وتصير السنة بدعة والبدعة سنة فيقام على أهل السنة بالتريث والتعنيف كما كان أولا يقام على أهل البدعة طمعا من المبتدع أن تجتمع كلمة الضلال ويأبى الله أن تجتمع حتى تقوم الساعة فلا تجتمع الفرق كلها على كثرتها على مخالفة السنة عادة وسمعا بل لا بد أن تثبت جماعة أهل السنة حتى يأتي أمر الله غير أنهم لكثرة ما تناوشهم الفرق الضالة وتناصبهم العداوة والبغضاء استدعاء إلى موافقتهم لا يزالون في جهاد ونزاع ومدافعة وقراع أناء الليل والنهار وبذلك يضاعف الله لهم الأجر الجزيل ويثيبهم الثواب العظيم . أسأل الله تعالى أن يثبتنا على السنة ويميتنا عليها . أهـ ( صلاة العيدين فى المصلى : 47)
8 قال قى السراج المنير" حنفاء: أي مائلين عن الأديان كلها إلى دين الإسلام، وأصل الحنف في اللغة: الميل وخصه العرف بالميل إلى الخير، وسموا الميل إلى الشرّ إلحاداً والحنيف المطلق الذي يكون متبرئاً عن أصول الملل الخمسة اليهود والنصارى والصابئين والمجوس والمشركين، وعن فروعها من جميع النحل إلى الاعتقادات، وعن توابعها من الخطأ والنسيان إلى العمل الصالح، وهو مقام التقى، وعن المكروهات إلى المستحبات وهو المقام الأوّل من الورع، وعن الفضول شفقة على خلق الله وهو ما لا يعني إلى ما يعنى وهو المقام الثاني من الورع، وعما يجر إلى الفضول وهو مقام الزهد، فالآية جامعة لمقامي الإخلاص. الناظر: أحدهما: إلى الحق، والثاني: إلى الخلق.اهـ كلامه (1/5256)
9 قال أبو السعود فى تفسيره (مخلصين له الدين أي جاعلين دينهم خالصا له تعالى أو جاعلين أنفسهم خالصة له تعالى في الدين حنفاء مائلين عن جميع العقائد الزائغة إلى الإسلام ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة )
10 ( صحيح ) حديث رقم ( 2201 ) صحيح سنن ابى داود.
11 صحيح حديث رقم (2517) سنن ابى داود
12 حديث رقم ( 5757) مسند ابى عوانة
13 و استمع لكلام الشاطبى فى "الاعتصام": ( رأى قوم التغالي في تعظيم شيوخهم حتى ألحقوهم بما لا يستحقونه فالمقتصد منهم يزعم أنه لا ولى لله أعظم من فلان وربما أغلقوا باب الولاية دون سائر الأمة إلا هذا المذكور وهو باطل محض وبدعة فاحشة لأنه لا يمكن أن يبلغ المتأخرون أبدا مبالغ المتقدمين فخير القرون الذين رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وآمنوا به ثم الذين يلونهم وهكذا يكون الأمر أبدا إلى قيام الساعة فأقوى ما كان أهل الإسلام في دينهم وأعمالهم ويقينهم وأحوالهم في اول الإسلام ثم لا زال ينقص يشيئا فشيئا إلى آخر الدنيا لكن لا يذهب الحق جملة بل لا بد من طائفة تقوم به وتعتقده وتعمل بمقتضاه على حسبهم في إيمانهم لا ما كان عليه الأولون من كل وجه لأنه لو أنفق أحد من المتأخرين وزن أحد ذهبا ما بلغ مد أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نصيفه وإذا كان ذلك في المال فكذلك في سائر شعب الإيمان بشهادة التجربة العادية ولما تقدم أول الكتاب أنه لا يزال الدين في نقص فهو أصلى لا شك فيه وهو عند أهل السنة والجماعة فكيف يعتقد بعد ذلك في أنه ولى أهل الأرض وليس في الأمة ولى غيره لكن الجهل الغالب والغلو في التعظيم والتعصب للنحل يؤدى إلى مثله او أعظم منه والمتوسط يزعم أنه مساو للنبى صلى الله عليه وسلم إلا أنه لا يأتيه الوحى.
بلغنى هذا عن طائفة من الغالين في شيخهم لحاملين لطريقتهم في زعمهم نظير ما ادعاه بعض تلامذة الحلاج في شيخهم على الاقتصاد منهم فيه والغالى يزعم فيه اشنع من هذا كما ادعى أصحاب الحلاج في الحلاج وقد حدثنى بعض الشيوخ أهل العدالة والصدق في النقل أنه قال أقمت زمانا في بعض القرى البادية وفيها من هذه الطائفة المشار إليها كثير قال فخرجت يوما من منزلى لبعض شأنى فرأيت رجلين منهم قاعدين فاتهمت أنهما يتحدثان في بعض فروع طريقتهم فقربت منهما على استخفاء لأسمع من كلامهم - إذ من شأنهم الاستخفاء بأسرارهم - فتحدثا في شيخهم وعظم منزلته وأنه لا أحد في الدنيا مثله وطربا لهذه المقابلة طربا عظيما ثم قال أحدهما للآخر أتحب الحق هو النبى قال نعم هذا هو الحق قال المخبر فقمت من ذلك المكان فارا أن يصيبنى معهم قارعة وهذا نمط الشيعة الإمامية ولولا الغلو في الدين والتكالب على نصر المذهب والتهالك في محبة المبتدع لما وسع ذلك عقل أحد ولكن النبى صلى الله عليه وسلم قال لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع الحديث فهؤلاء غلوا كما غلت النصارى في عيسى عليه السلام حيث قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم فقال الله تعالى يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل واضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل وفي الحديث لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم ولكن قولوا عبد الله ورسوله ومن تأمل هذه الأصناف وجد لها من البدع في فروع الشريعة كثيرا لأن البدعة إذا دخلت في الاصل سهلت مداخلتها الفروع) .انتهى كلامه رحمه الله تعالى
14 ( صحيح) حديث رقم ( 783) الادب المفرد
15 ( حسن) حديث رقم ( 1819) صحيح الجامع
16 و انظر لما جاء فى مقدمة التفسير للشيخ الاسلام فقد بين أن اختلاف الصحابة من اختلاف التنوع لا من اختلاف التضاد
17 نسبه اليه شيخ الاسلام فى مجموع الفتاوى
18 ( صحيح) حديث رقم ( 180) مشكاة المصابيح
19 ( حسن) حديث رقم ( 1171) صحيح الجامع
20 أخرجه مسلم في (( صحيحه )) : ( 3/1340 ) والإمام أحمد في (( المسند )) : ( 2/367 ) عن أبي هريرة – رضي الله عنه – واللفظ للإمام أحمد
21 (( مسند الإمام أحمد )) : ( 4/80-82 ) من حديث جبير بن مطعم .
22 أخرج البخاري في( صحيحه ) ( 13/121 )، عن عبد الله بن عمر عن النبي (، أنه قال : ( على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره، إلا أن يؤمر بمعصية، فإن أُمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة ).
قوله (( فيما أحب وكره )) أي فيما وافق غرضه أو خالفه.
23 ) ( 3/1467 ) .
24 ) (( جامع الأصول )9 : ( 4/66 ) .
25 أخرجه البخاري في (0 صحيحه )) – كتاب الأحكام، باب السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصية .
26 قال شيخنا الالبانى "حديث صحيح " ( السنة لابن ابى عاصم حديث 120)
27 قال الماوردى فى " الاحكام السلطانية ": فأما أهل الاختيار فالشروط المعتبرة فيهم ثلاثة: أحدها العدالة الجامعة لشروطها والثاني العلم الذي يتوصل به إلى معرفة من يستحق الإمامة على الشروط المعتبرة فيها. والثالث الرأي والحكمة المؤديان إلى اختيار من هو للإمامة أصلح وبتدبير المصالح أقوم وأعرف وليس لمن كان في بلد الإمام على غيره من أهل البلاد فضل مزية تقديم بها عليه وإنما صار من يحضر ببلد الإمام متولياً لعقد الإمامة عرفاً لا شرعاً؛ لسبوق علمهم بموته ولأن من يصلح للخلافة في الأغلب موجودون في بلده. وأما أهل الإمامة فالشروط المعتبرة فيهم سبعة أحدها: العدالة على شروطها الجامعة. والثاني: العلم ليؤدي إلى الاجتهاد في النوازل والأحكام والثالث: سلامة الحواس من السمع والبصر واللسان ليصبح معها مباشرة ما يدرك بها. والرابع: سلامة الأعضاء من نقص يمنع عن استيفاء الحركة وسرعة النهوض والخامس: الرأي المفضي إلى سياسة الرعية وتدبير المصالح. والسادس: الشجاعة والنجدة المؤدية إلى حماية البيضة وجهاد العدو، والسابع: النسب وهو أن يكون من قريش لورود النص فيه وانعقاد الإجماع عليه، ولا اعتبار بضرار حين شذ فجوزها في جميع الناس، لأن أبا بكر الصديق رضي الله عنه احتج يوم السقيفة على الأنصار في دفعهم عن الخلافة عن المشاركة فيها حين قالوا منا أمير ومنكم أمير تسليماً لروايته وتصديقاً لخبره ورضوا بقوله نحن الأمراء وأنتم الوزراء، وقال النبي صلى الله عليه و سلم: " قدموا قريشاً ولا تقدموها" ليس مع هذا النص المسلم شبهة لتنازع فيه ولا قول لمخالف له.
28 راجع كتاب الاحكام السلطانية للماوردى فقد أفاد و أجاد فى هذا الموضوع.
29 ((.الإمام أحمد – رحمه الله تعالى – في العقيدة التي رواها عنه عبدوس بن مالك العطار: ( ... ومن غلب عليهم يعني: الولاة – بالسيف حتى صار خليفة، وسمي أمير المؤمنين، فلا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيت ولا يراه إماماً، براً كان أو فاجراً) ا هـ(( الأحكام السلطانية )) لأبي يعلى ص 23 )، ط. الفقي.
30 واحتج الإمام أحمد بما ثبت عن ابن عمر– رضي الله عنه – أنه قال : (( ... وأصلي وراء من غلب ))
31 وقد حكى الإجماع على ذلك الحافظ ابن حجر – رحمه الله تعالي – في " الفتح" فقال: (وقد أجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان المتغلب والجهاد معه، وأن طاعته خير من الخروج عليه لما في ذلك من حقن الدماء، وتسكين الدهماء) انتهى(13/7 ) .
32 قال ابن جرير الطبري – رحمه الله تعالي – في تفسيره ( وأولي الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : هم الأمراء والولاة، لصحة الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه و سلم بالأمر بطاعة الأئمة والولاة فيما كان طاعة، وللمسلمين مصلحة ....) إلي أن قال : ( فإذا كان معلوماً أنه لا طاعة واجبة لأحد غير الله أو رسوله أو إمام عادل، وكان الله قد أمر بقوله ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ( بطاعة ذي أمرنا كان معلوماً أن الذين أمر بطاعتهم – تعالي ذكره – من ذوي أمرنا هم الأئمة من ولاة المسلمون دون غيرهم من الناس، وإن كان فرضاً القبول من كل من أمر بترك معصية ودعا إلي طاعة الله، وأنه لا طاعة تجب لأحد فيها أمر ونهي فيما لم تقم حجة وجوبه إلا للأئمة الذين ألزم الله عباده طاعتهم فيما أمروا به رعيتهم مما هو مصلحة لعامة الرعية فإن على من أمروا بذلك طاعتهم وكذلك في كل ما لم يكن لله فيه معصية. وإذا كان ذلك كذلك، كان معلوماًً بذلك صحة ما اخترنا من التأويل دون غيره). ا هـ 32 ) ( 5/150) ط 3. الحلبي
33 مسند أبى عوانة ( 5758)
34 مسند أبى عوانة ( 5749)
35 قال شيخنا الالبانى " حديث صحيح ، رجاله كلهم ثقات ( السنة لابن ابى عاصم حديث رقم 892)
36 قال شيخنا الالبانى " اسناده صحيح ( السنة لابن ابى عاصم حديث 89)
37 قال شيخنا الالبانى " اسناده صحيح على شرط الشيخين ( السنة لابن ابى عاصم حديث 60)
38 قال شيخنا الالبانى "حديث صحيح ( السنة لابن ابى عاصم حديث 1108)
39 ) أخرجه مسلم في ((صحيحه ))- كتاب الإمارة - : (3/1476 )
40 و زيادة على ما ذكره الشارح : لزوم الجماعة من أسباب بحبحة الجنة كما فى حديث عمر رضى الله عنه ( و من أراد بحبة الجنة فعليه بالجماعة) قال شيخنا الالبانى صحيح ( السنة لابن ابى عاصم حديث 88)
41 ( ذكر صاحب كتاب الؤلوة فى السلطان) " قال حذيفة بن اليمان‏:‏ ما مشى قوم قط إلى سلطان الله في الأرض ليذلوه إلا أذلهم الله
42 ) وقد قال الأفوه الأودي : لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم *** ولا سراة إذا جهالهم سادوا
والبيت لا يبتنى إلا له عمد *** ولا عماد إلا لم ترس أوتاد
فإن تجمع أوتاد وأعمدة يوما ً *** فقد بلغوا الأمر الذي كادوا
43 قال شيخنا الالبانى " صحيح" ( السنة لابن ابى عاصم حديث 1097)
44 البقرة: 40.
45البقرة: 122.
46 : (حسن) (حديث رقم : 3635 صحيح و ضعيف الجامع)
47 رواه الطبرى فى تفسيره 1/60
48 ( صحيح لغيره موقوفا )( حديث رقم : 111 ) ( صحيح الترغيب و الترهيب )
49 ( حسن ) ( حديث رقم:6 )غاية المرام
50 جاء فى كتاب " احياء علوم الدين للغزالى" : و الفائزين المقربين هم علماء الآخرة ولهم علامات :
1. فمنها أن لا يطلب الدنيا بعلمه فإن أقل درجات العالم أن يدرك حقارة الدنيا وخستها وعظم الآخرة
2. ومنها أن لا يخالف فعله قوله بل لا يأمر بالشيء ما لم يكن هو أول عامل به
3. ومنها أن تكون عنايته بتحصيل العلم النافع في الآخرة المرغب في الطاعات مجتنبا للعلوم التي يقل نفعها ويكثر فيها الجدال والقيل
4. ومنها أن يكون غير مائل إلى الترفه في المطعم والمشرب والتنعم في الملبس والتجمل في الأثاث والمسكن بل يؤثر الاقتصاد في جميع ذلك ويتشبه فيه بالسلف رحمهم الله تعالى
5. ومنها أن يكون مستقصيا عن السلاطين و يحترز عن مخالطتهم وإن جاءوا إليه فإن الدنيا حلوة خضرة
6. منها أن لا يكون مسارعا إلى الفتيا بل يكون متوقفا ومحترزا ما وجد إلى الخلاص سبيلا فإن سئل عما يعلمه تحقيقا وإن سئل عما يشك فيه قال لا أدري
7. ومنها أن يكون أكثر اهتمامه بعلم الباطن ومراقبة القلب ومعرفة طريق الآخرة وسلوكه وصدق الرجاء في انكشاف ذلك من المجاهدة والمراقبة
8. ومنها أن يكون شديد العناية بتقوية اليقين فإن اليقين هو رأس مال الدين
9. أن يكون حزينا منكسرا يظهر أثر الخشية على هيئته فلا ينظر إليه إلا وكان نظره مذكرا بالله تعالى
10. وقيل خمس من الأخلاق هي من علامات علماء الآخرة مفهومة من خمس آيات من كتاب الله عز وجل الخشية والخشوع والتواضع وحسن الخلق وإيثار الآخرة على الدنيا وهو الزهد فأما الخشية فمن قوله تعالى ( إنما يخشى الله من عباده العلماء) وأما الخشوع فمن قوله تعالى (خاشعين لله لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا) وأما التواضع فمن قوله تعالى(واخفض جناحك للمؤمنين) وأما حسن الخلق فمن قوله تعالى (فبما رحمة من الله لنت لهم) وأما الزهد فمن قوله تعالى (وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا).
11. ومنها أن يكون أكثر بحثه عن علم الأعمال وعما يفسدها فإن أصل الدين التوقي من الشر.
12. ومنها أن يكون شديد التوقي من محدثات الأمور وإن اتفق عليها الجمهور
فهذه اثنتا عشرة علامة من علامات علماء الآخرة تجمع كل واحدة منها جملة من أخلاق علماء السلف
أنتهى كلامه – رحمه الله تعالى – نقلته بتصرف( كتاب العلم)
51 ( حسن صحيح) ( حديث رقم: 2207 صحيح و ضعيف الجامع)
52 كما ورد عن ابن المبارك فى كتاب الزهد ( 61) ذكره الشيخ بكر بن عبد الله فى كتابه " حلية طالب العلم"
53 وتبعه الخطيب البغدادي في نصيحته لأهل الحديث:" أن الصغار هنا يراد بهم صغار الأسنان الذين لم يتأهلوا بالعلم ، ولم يتضلعوا به".
54 وثبت أيضا عن ابن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – أنه قال:" قد علمت متى يهلك الناس إذا أتى العلم ، من الصغير استعصى عليه الكبير ، وإذا أتى العلم من الكبير قبله الصغيرفحتديا".
55 (صحيح ) (حديث رقم : 248مشكاة المصابيح )
(56) آل عمران : 31.
(57) المائدة : 54.
(58) يونس : 62.
59 قال فى السراج المنير : {ألا إنّ أولياء الله} أي: الذين يتولونه بالطاعة ويتولاهم بالكرامة {لا خوف عليهم} من لحوق مكروه {ولا هم يحزنون} بفوات مأمول، وفسرهم بقوله تعالى: {الذين آمنوا وكانوا يتقون} الله بامتثال أمره ونهيه، وهذا الذي فسر الله تعالى به الأولياء لا مزيد عليه. وعن علي رضي الله عنه: هم قوم صفر الوجوه من السهر، عمش العيون من العبر، خمص البطون من الخوا. وعن سعيد بن جبير أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل من أولياء الله تعالى؟ فقال: «هم الذين يذكر الله برؤيتهم» يعني السمت والهيئة. وعن ابن عباس: الإخبات والسكينة. وعن عمر رضي الله تعالى عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنّ من عباد الله عباداً ما هم بأنبياء ولا شهداء تغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة لمكانهم من الله، قالوا: يا رسول الله أخبرنا من هم؟ وما أعمالهم؟ فلعلنا نحبهم، قال: هم قوم تحابوا في الله بغير أرحام بينهم ولا أموال يتعاطونها، فوالله إنّ وجوههم لنور، وإنهم لعلى منابر من نور لا يخافون إذا خاف الناس ولا يحزنون إذا حزن الناس» ثم قرأ الآية. ونقل النووي في مقدمة «شرح المهذب» عن الإمامين الشافعيّ وأبي حنيفة رضي الله تعالى عنهما أنّ كلاً منهما قال: إذا لم تكن العلماء أولياء لله فليس لله وليّ. وذلك في العالم العامل بعلمه. وقال القشيري: من شرط الوليّ أن يكون محفوظاً كما أن من شرط النبيّ أن يكون معصوماً، فكل من كان للشرع عليه اعتراض فهو مغرور مخادع. فالوليّ هو الذي توالت أفعاله على الموافقة.اهـ كلامه
60 ( صحيح) حديث رقم ( 1782) صحيح الجامع
61 ( صحيح ) حدديث رقم ( 5381) سنن النسائى
62 ( صحيح ) حديث رقم ( 5371) مشكاة المصابيح
63 (صحيح) حديث رقم ( 40) صحيح الترغيب و الترهيب
64 قلت : و كما هو معلوم فان الهداية نوعان : هداية توفيق بيد الله تعالى و هداية ارشاد و بيان و هى فى حق الانبياء و من تبعهم من أهل العلم
65 وفي معناه قوله تعالى {فَإنْ حَآجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُل لِّلَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} (أل عمران:20)
66 و انظر رسالة " رفع الملام عن الائمة الاعلام " لشيخ الاسلام فهى مفيدة جدا.
67 قال الشوكانى فى رسالة ( شرح الصدور بتحريم رفع القبور) " فاعلم أنه إذا وقع الخلاف بين المسلمين في أن هذا الشيء بدعة أو غير بدعة، أو مكروه أو غير مكروه، أو محرم أو غير محرم، أو غير ذلك، فقد اتفق المسلمون ـ سلفهم وخلفهم ـ من عصر الصحابة إلى عصرنا هذا ـ وهو القرن الثالث عشر منذ البعثة المحمدية ـ أن الواجب عند الاختلاف في أي أمر من أمور الدين بين الأئمة المجتهدين هو الرد إلى كتاب الله سبحانه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. الناطق بذلك الكتاب العزيز (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول) ومعنى الرد إلى الله سبحانه الرد إلى كتابه، ومعنى الرد إلى رسوله صلى الله عليه وسلم الرد إلى سنة بعد وفاته. وهذا مما لا خلاف فيه بين جميع المسلمين" انتهى كلامه رحمه تعالى
أحمد محمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر رد
الرسول الكريم عليه الصلاة و السلام Mouchmabir منتدي السيره النبويه الشريفه 2 06-12-2014 11:27 PM
القرآن الكريم بصوت الشيخ فارس عباد على عدة مواقع أميرة منتدى الصوتيات والمرئيات الاسلامية 0 07-14-2009 01:50 AM
القران الكريم كاملا بصوت الشيخ " محمد حسان " حفظه الله NEO منتدى الصوتيات والمرئيات الاسلامية 1 07-09-2009 11:32 AM
القران الكريم بصوت الشيخ ياسر الدوسري حفظه الله NEO منتدى الصوتيات والمرئيات الاسلامية 1 07-09-2009 11:17 AM
حصريا القرآن الكريم بصوت الشيخ سعد الغامدي HeRo الميديا والثيمات وخلفيات الجوال 2 08-26-2008 06:21 PM


الساعة الآن 01:13 AM.



تعريف :

نجاح نت منتدى يهتم بجميع متطلبات مستعملي الإنترنيت وخصوصا البرامج وشروحتها وأمور ديننا الحنيف و المناهج الدراسية والألعاب...


جميع المواضيع و الردود المطروحة لا تعبر عن رأي المنتدى بل تعبر عن رأي كاتبها وقرار البيع والشراء مسؤليتك وحدك

Powered by vBulletin® Version 3.8.4
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd diamond