المعتقد الصحيح في حكم من وقع في الكبائر
الشيخ / عبد السلام بن برجس آل عبد الكريم
المعتقد الصحيح في حكم من وقع في الكبائر
6- ومن جملة اعتقاد أهل السنة والجماعة:
ان جميع الذنوب – سوى الإشراك بالله تعالى- لاتخرج المسلم من دين الإسلام، إلا إن استحلها: سواء فعلها مستحلا ، أو اعتقد حلها دون أن يفعلها ، لأنه عندئذ يكون مكذبا بالكتاب ومكذبا بالرسول صلى الله عليه وسلم ، وذلك كفر بالكتاب والسنة والإحماع.
وكل مادون الشرك من الذنوب لايخلد صاحبها في نار جهنم ، كما قال الله تعالى: (إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء) (النساء : 48 ).
فنصت الآية على ان صاحب الذنوب إلى مشيئة الله جل علا، إن شاء تعالى عفا عنه بمنه وكرمه، وإن شاء أدخله النار بقدر ذنوبه، ليطهره بها ، ثم يخرجه منها بتوحيده فيدخل الجنة.
صاحب الكبائر نافص الإيمان:-
وقد سمى الله في كتابه بعض الكبائر كالقتل والبغي ، وأثبت الإيمان لأصحابها ، فهم مؤمنون بإيمانهم ، فاسقون بمعصيتهم. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ) (البقرة : 178 )، فأثبت تعالى الإيمان للقاتل والمقتول من المؤمنين ، وأثبت لهم أخوة الإيمان.
ولامنافاة بين تسمية المرء فاسقا وتسميته مسلما:-
ولامنافاة بين إطلاق الفسق على العمل أو عامله ، وتسمية العامل مسلما وجريان أحكام المسلمين عليه. وقصة الصحابي عبدالله حمار – التي رواها البخاري في صحيحه – غاية في توضيح ذلك، حيثإن عبدالله حمارا شرب الخمر ، فجىء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أحد الصحابة رضي الله عنهم: لعنه الله ماأكثر ما يؤتي به. فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لاتلعنه ، فإنه يحب الله ورسوله".
فلم يخرج من الإسلام بمجرد هذه الكبيرة ، بل قد أثبت له الإيمان ، مع وقوعه في هذه الكبيرة.
أقسام الكفر والشرك:-
وبيان ذلك : أن كلا من الكفر والشرك والظلم والفسوق والنفاق جاءت في نصوص الشرع على قسمين:
1- أكبر: يخرج من الملة لمنافاته اصل الدين بالكلية.
2- وأصغر : ينافي كمال الإيمان ولايخرج صاحبه منه.
وهذا تقسيم للسلف رضي الله عنهم ، فقد أثبت حبر المة وترجمان القرآن ابن عباس رضي الله عنهما ، ان هناك كفرا دون كفر ، وظلما دون ظلم ، وفسوقا دون فسوق ، ونفاقا دون نفاق.
الكفر الأكبر:-
فالله تعالى سمى من دعا غيره كافرا ومشركا وظالما.
قال الله تعالى: (وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ) (المؤمنون : 117 ).
وقال تعالى: (قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً) (الجن : 20 ).
وقال تعالى: (وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِّنَ الظَّالِمِينَ) (يونس : 106 ).
وقال تعالى
إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ) (الكهف : 50 ).
فهذا في الكفر الكبر ، والشرك الكبر ، والظلم الكبر ، والفسق الكبر، الذي لايجتمع معه إيمان.
الكفر الأصغر:-
وقال الله تعالى: (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) (المائدة : 44 ).
وقال تعالى
وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (المائدة : 45 ).
وقال تعالى
و َمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (المائدة : 47 ).
وقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً) (النساء : 10 ).
وقال صلى الله عليه وسلم: " سباب المسلم فسوق ، وقتاله كفر "، وقال صلى الله عليه وسلم:" من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك".
فهذا في الكفر الأصغر، والشرك الأصغر، والظلم الأصغر ،والفسق الأصغر، وهذا يجتمع معه الإيمان، كما نص على ذلك الكتاب والسنة ، واجمع عليه السلف ، وهو ينقص الأيمان ، وينافي كماله.